بعد أن حمل الحكومة وأغلبيتها النيابية تردي: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية آخر نبال الباجي قائد السبسي • مسلسل قرطاج 3 على الأبواب !

الاجتماع الذي دعا إليه يوم أمس رئيس الدولة يبدو وكأنه العرض الأول لدراما تونسية جديدة يمكن أن نطلق عليها

منذ الآن «قرطاج 3» .مسرحية نجد فيها بعض أبطال مسلسل قرطاج 1 وقرطاج 2 وهم رئيس الجمهورية والأمين العام لاتحاد الشغل ورئيس اتحاد الصناعة والتجارة ورئيس حركة النهضة وينضاف إلى هذا الرباعي القديم ثلاثي جديد يدخل الحلبة للمرة الأولى وهم رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس كتلة الائتلاف الوطني وثامنهم جديد قديم إذ حضر لفترة ما في موسم قرطاج 2 وهو الأمين العام لحزب مشروع تونس ..

ولابد هنا أن نسجل غياب بعض من أثثوا لبعض الأشهر المسلسل الفاشل «قرطاج 2» ونبدأ بصاحب باتيندة نداء تونس باعتبار أن هذا الحزب قد خرج نهائيا عن دائرة الحكم ورئيس الوطني الحر المنصهر في النداء والغائب عن البلاد وزعيمي المسار والمبادرة كما تم الاستغناء عن اتحاد الفلاحين واتحاد المرأة ..
فقرطاج 3 الذي يريد أن يعوض عن فشل قرطاج 2 اختار فقط الممثلين الأبرز والأكثر شعبية عساه يحقق اكبر نسب المشاهدة ..

لقد جمع رئيس الدولة كل هذا الحشد الكريم ليقول لهم بان الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني للبلاد قد تردى كثيرا وهو من سيئ إلى أسوإ وأن الحكومة ومن يدعمها نيابيا هم المسؤولون عن هذا الوضع وان إيجاد الحلول يقع عليهم لوحدهم وان ما توفقوا إليه إلى حد الآن هو دون المطلوب بكثير..

بالطبع أحد عناصر التشويق في هذا المسلسل الجديد الذي يريد أن ينافس بكل ندية مسلسل الاحتجاجات والإضرابات الأرفع مشاهدة تقليديا في شهر جانفي يعتمد في إخراجه التلفزي على تقنية جرّبت كثيرا في السابق ولكنها لم تصح : الباجي قائد السبسي يتكلم في البداية ثم موسيقى تصويرية ثم الباجي قائد السبسي يختتم المهرجان الخطابي، أما ما بين هذا وذاك فلم نستمع إلا لردّ الضيوف التحية على مضيفهم .. إخراج يبدو أنه حَظي بموافقة كل المشاركين..

لم يكتف الباجي قائد السبسي بالتوبيخ المهذب للحكومة ولأحزاب وكتل الأغلبية الحالية بل أعطى درسا في التاريخ للجميع ، باستثناء رئيس مجلس نواب الشعب ، وقال للحاضرين بأنهم لا يفهمون تبعات الإضراب العام المعلن من قبل المركزية النقابية ليوم 17 جانفي المقبل..

الباجي قائد السبسي يفقه جيدا ما معنى الإضراب العام خاصة وأنه حاول التدخل ، من خارج موقع السلطة ، للحيلولة دونه ذات عام في سنة 1978 صحبة أحمد المستيري والمغفور له حسيب بن عمار .. وهكذا نرى أن رأسي السلطة التنفيذية يتنافسان على ميراث مؤسس جريدة «الرأي» واحد بحجة القرابة وآخر بحجة الرفقة السياسية ..
ولكن باءت مساعي الباجي قائد السبسي بالفشل (لأسباب يطول شرحها كما قال هو) وحصل الإضراب العام وسقطت الضحايا وسجن النقابيون واهتزت أركان الدولة ..

بطبيعة الحال لم يتحدث رئيس الدولة عن الاختلاف الجوهري في وضع البلاد بين سنتي 1978 و2019 أي بين نظام سياسي منغلق وحكم شخصاني مفرط وبين نظام ديمقراطي رغم تعثراته، ولكن المهم في كل مشهدية ليس في دقة المعلومة أو في التوصيف الصحيح بل في تقبل الرأي العام لها وتمثله لها وكما أكد ذلك رئيس الدولة في أكثر من مناسبة فان العبرة ليست بحقيقة الوضع بل بتصوره ..

رئيس الدولة أراد ان يقول أربعة أمور رئيسية للرأي العام :
-أولا انه ليس مسؤولا عن تردي الأوضاع في حين انه كان الزعيم الفعلي للأغلبية الحاكمة على الاقل على امتداد ثلاث سنوات ونصف ، فهو يريد ان يكون في موقع الحَكَم لا في موقع المتهم

-ثانيا أن المسؤولية الوحيدة تقع على هذه الحكومة وعلى الأغلبية التي تدعمها وان الوضع يسير من سيئ إلى أسوإ
-ثالثا انه يبقى اللاعب السياسي الأساسي حتى بعد ان «تنطعت» ضده بعض مكونات أغلبيته
-رابعا انه هو رجل المستقبل والرجل المنقذ من «طيش الشباب»
وكنتيجة لكل هذا لو لم تتمكن الحكومة الحالية ومن يدعمها من ايجاد حل مرضي يجنب البلاد الإضراب العام ومن تفاقم الاحتجاجات الاجتماعية فإن رئاسة الجمهورية تبقى الحل البديل اليوم وغدا كذلك أي في انتخابات 2019..
وبطبيعة الحال لا وجود لأي تقدم في الجوهر أي في المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية وفي مجال إمكانية توافق بين الحكومة واتحاد الشغل ..
والسؤال الجدي الوحيد هو هل من دور ممكن لرئيس الدولة في هذه المفاوضات ؟ والجواب الجدي والوحيد هو لا وألف لا فالرئاسة لا تملك اي شيء هنا لا من حيث ضخ اموال لا تملكها ولا كذلك في الخفض من مستوى مطالب اتحاد الشغل، وحتى استئناف الحوار بين الحكومة والمنظمة الشغيلة الذي أعلن عنه رئيس الدولة كان قد تقرر في آخر جلسة تفاوضية .. فنحن إذن أمام إخراج مشهدي لاتفاق سابق فقط لا غير .. إخراج يراد منه إبراز رئيس الدولة في موقع الحريص الوحيد على مصلحة البلاد والدولة مقابل مسؤولية الآخرين عن التردي الكبير لأوضاع البلاد..
لقد بدأ مسلسل قرطاج 3 ويبقى فقط السؤال حول قبول مختلف الأطراف بلعب الأدوار التي صيغت لها مسبقا أم أنها ستنصرف إلى حال سبيلها تاركة شيخ الخشبة في عرض وان مان شو ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115