التنظيم السري والغرفة السوداء وحقيقة الاغتيالات السياسية

غطت مسألة التحوير الوزاري وأزمة الحكم المرافقة لها جزئيا عن آخر التطورات التي كشفت

عنها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وأهمها على الإطلاق توصل قاضي التحقيق عدد 12 إلى حجز جملة الوثائق المودعة في ما أسمته هيئة الدفاع «بالغرفة السوداء» وما أنكرته وزارة الداخلية جملة وتفصيلا في حينها ثم بعد اطلاع قاضي التحقيق المضطلع بأجزاء من ملف اغتيال الشهيد محمد البراهمي بالموضوع وبالاعتماد على المعطيات التي وفرتها هيئة الدفاع والاستماع إلى مسؤول سام في وزارة الداخلية تمكن من معاينة هذه «الغرفة السوداء» وما تحتويه من كم من الوثائق وبعد تغيير الاقفال وحجز كل ما هو موجود بها ها أن وزارة الداخلية تعود لتنّسب تصريحاتها الأولى ولتقر بوجود هذا «المكتب» مع التاكيد على أنها كانت حامية لكل ما كان فيه ..

تناقض تصريحات وزارة الداخلية وتكذيب رئيس الحكومة ووزير الداخلية الأسبق علي العريض لكل ما يشير من بعيد أو من قريب لهذه الوثائق التي لم يتعهد بها القضاء بعد إنما يثير في الرأي العام مزيدا من الارتياب ومن الشكوك في جدية التعامل القضائي والأمني والإداري السابق والحالي مع ملف الاغتيالات السياسية الذي شارف على سنته السادسة.

إلى حد الندوة الصحفية التي عقدتها هيئة الدفاع يوم 2 أكتوبر كانت معلوماتنا حول اغتيال الشهيدين متناثرة تأكد فيها ضلوع عناصر من التنظيم السلفي الجهادي أنصار الشريعة في تنفيذ مخطط الاغتيال وكنا – وما نزال – أمام شبه رواية رسمية للقضاء والأمن مفادها أن التنظيم الإرهابي المحظور أنصار الشريعة هو من خطط ونفذ عمليتي الاغتيال دون مساعدة تذكر من احد لا من الأجهزة الأمنية ولا من الحزب الحاكم آنذاك حركة النهضة او من بعض أجنحته .

ورغم تقديم هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي جملة من المعطيات والوقائع المسترابة والتي يمكن أن تؤدي بالبحث والتقصي إلى طرق جديدة ولكن تم رفض ، إلى وقت قريب ،استقصاء كل هذه الإمكانيات ..

بعد الندوة الصحفية لهيئة الدفاع يوم 2 أكتوبر الماضي انفتحت سبل جديدة للبحث والتقصي ..«تنظيم خاص» لا ندري بالضبط حجمه ومدى ارتباطه من عدمه بالقيادات السياسية المركزية للحركة الإسلامية كما أن علاقات هذا التنظيم المفترض بمنفذي عمليتي الاغتيال تستوجب مزيدا من السبر والتدقيق و«غرفة سوداء» بوزارة الداخلية -ولا مشاحة في الأسماء- تحتوي على وثائق هامة لم يتعهد بها القضاء بصفة جدية بعد..

الإشكال الأساسي في بلادنا هو التعامل غير الجدي مع المعطيات التي تنكشف بفضل مجهودات أفراد وجهات غير حكومية كهيئة الدفاع في وضعية الحال . فوزارة الداخلية سارعت إلى تكذيب اضطرت فيما بعد إلى تكذيبه كما أن قاضي التحقيق عدد 12 تحرك ، وهذا يحسب له،وفق معطيات وفرتها هيئة الدفاع ..

أما حركة النهضة فقد اتخذت موقفا إنكاريا راديكاليا في البداية : لا وجود لديها لتنظيم سري لا اليوم ولا البارحة ، لا في زمن الحرية ولا في زمن الاستبداد ثم بعد تتالي الأدلة القطعية لوجود هذا التنظيم على الأقل قبل الثورة وتورطه في محاولتين للانقلاب تعود النهضة على لسان رئيسها ومؤسسها في الندوة السنوية للحركة الإسلامية ليدلي بنصف اعتراف وهو ابتعاد الحركة عن «العمل السري» منذ سنة 1995.

ولكن يبقى السؤال حول محاولة إعادة إحياء هذا «الجهاز الخاص» بعد الثورة وعلاقته بالاذرعة البدنية للحركة الإسلامية كرابطات حماية الثورة والتيارات السلفية العنيفة خاصة في فترة حكم الترويكا..

لابد من تثمين الخطوة الجريئة التي اقدم عليها قاضي التحقيق عدد 12 ولكن المطلوب اليوم من القضاء كسلطة مستقلة هو أن يذهب في استقصاء الحقيقة كل الحقيقة وان يجيبنا عن سؤالين أساسيين :

-ماهي حقيقة وجود تنظيم سري تابع أو قريب من حركة النهضة؟ وفي صورة وجوده ماهي المسؤوليات الجنائية المترتبة عن ذلك لا باعتبار أفعال هذا التنظيم بل مجرد وجوده أو حتى مجرد بداية الإعداد له .

-ماهي مسؤولية هذا التنظيم – ان اثبت القضاء وجوده- في الاغتيالات السياسية بشكل خاص وفي كل الأعمال المنافية للقانون بشكل عام ..

ما لم يجب القضاء عن هذين السؤالين بصفة كاملة وشاملة لن تندمل الجراح ولن تعود الثقة الدنيا بين مختلف الفرقاء السياسيين ..

لا احد يمكنه منع تداخل الزمنين السياسي / الانتخابي بالقضائي ولكن قبل التنديد المتوقع بـ«التوظيف» السياسي للقضاء لابد من توفير كل شروط قول القضاء كلمته الناجزة والنهائية في هذين الملفين..

المستقبل السياسي القريب لتونس يتوقف ،في ما يتوقف عليه، على هذه الإجابة القضائية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115