بعد أن منح مجلس نواب الشعب ثقته للوزراء المقترحين بمعدل 130 صوتا: والآن ماذا بعد انتصار يوسف الشاهد ؟

يوم ماراطوني في مجلس نواب الشعب يوم أمس انتهى بالمصادقة على التحوير الوزاري الواسع

الذي أقدم عليه يوسف الشاهد.

لقد حصل الوزراء المقترحون ما بين 115 و 132 صوتا.

يوم ماراطوني جاء لينهي (أو هكذا يفترض فيه) أزمة سياسية دامت حوالي ثمانية أشهر ولكن لعل الأساسي والحامل لأقوى وأبقى الدروس هو أن هذا اليوم الماراطوني جاء لينهي بصفة نهائية فترة سياسية ابتدأت منذ غرة جانفي 2015 وانتهت يوم 12 نوفمبر بصفة تبدو نهائية وهي فترة حكم رئاسة الجمهورية لندخل وبصفة مشهدية في عهد حكم رئاسة الحكومة..

يوم أمس تحول بصفة نهائية في هذه العهدة الانتخابية مركز القوة السياسية في منظومة الحكم .. تحول بدأ مع الندوة الصحفية لرئيس الدولة يوم الخميس الفارط وتأكد مع منح الثقة للوزراء الجدد الذين اختارهم رئيس الحكومة..

هل يعني هذا أننا في وضع مؤسساتي أفضل؟ لا ندري ولكن نحن اليوم وبعد حوالي أربع سنوات من هذه العهدة الانتخابية أصبحنا في ممارسة أكثر انسجاما – من الناحية الشكلية – مع مقتضيات دستور 2014 مع وجود فارق جوهري : رئيس الحكومة الذي أصبح زعيم الأغلبية بصفة واضحة لم ينل هذا التكليف نتيجة انتخابات عامة بل اثر تحولات سياسية في الحزب الفائز بعضها سبقه وبعضها الآخر كان له دور هام فيها ..

لقد لخص يوسف الشاهد هذا التحول عندما قال : أنا رئيس حكومة ولست وزيرا أول ..

ما هي الانعكاسات الأساسية لهذا التحول في مركز القوة في النظام السياسي ؟

• الانعكاس الأول والأساسي هو انحسار هامش مناورة رئيس الجمهورية على مستوى السياسة الداخلية وعدم قدرته على إطلاق مبادرات جديدة على نمط «قرطاج 1» و«قرطاج2» فالسلطة الفعلية هي اليوم في القصبة والإطار الأساسي للحوار وللقرار أيضا هو مجلس نواب الشعب .. واليوم لم يعد بإمكان رئيس الجمهورية الرجوع إلى محور الحياة السياسية إلا في حالتين فقط : إما استمالة جزء هام من النواب المؤيدين للشاهد (وهذا أضحى شبه مستحيل) أو الترشح لعهدة رئاسية ثانية وإعادة تجميع ما يمكن تجميعه حول شخصه وحول حصيلته ولكن هذه الفرضية – إلى حد اليوم –مستبعدة جدا ..

• الانعكاس الثاني هو ابتعاد وإبعاد نداء تونس من مختلف مراكز السلطة الأساسية بدءا بالحكومة والأكيد أن عملية الابتعاد/ الإبعاد ستتواصل في مستوى الولاة والمعتمدين وبعض الرؤساء المديرين العامين والذين سيجدون أنفسهم تماما كالوزراء مخيّرين بين الولاء لرئيس الحكومة وزعيم الأغلبية الجديدة أو الانضباط لقيادة حزبهم الحالية .

نداء تونس الذي تكون من مشارب عدة ليكون حزب حكم بل حزب الحكم سيجد نفسه في هذه السنة الأخيرة خارج أهم دوائر الحكم .. فهل ستتمكن القيادة الحالية من الصمود ؟ نعم لو تمكنت من البرهنة بأنها قادرة على العودة إلى الحكم أي أنها قادرة على هزم الحراك السياسي الذي هو بصدد التكون حول يوسف الشاهد .

• الانعكاس الثالث هو أن يوسف الشاهد أصبح في واجهة الأحداث ودون مظلة «النيران الصديقة» فهو يتوفر اليوم على أغلبية مطلقة في مجلس نواس الشعب ولم يعد بإمكانه الحديث عن ضعف الدعم السياسي له ولم يعد أمامه من مانع من أجل تمرير ما يراه من إصلاحات وستكون فترة حكم الشاهد أطول فترة منذ الثورة وسيكون بالتالي مسؤولا عن حصيلة الجزء الأهم من هذه العهدة الانتخابية ..

الواضح والجلي أن الصراع سيحتدّ بين المكونين الرئيسيين للنداء التاريخي : نداء القيادة الحالية ومن التحق من النداء بمشروع يوسف الشاهد وكل فريق سيقول بأنه هو الذي يمثل أصل فكرة النداء وجوهر تموقعها الفكري والسياسي ولكن سيكون المشروع السياسي المفترض ليوسف الشاهد أمام تحديات كبيرة يمكن أن نلخص أهمها في ما يلي :

1 - كيف سينطلق هذا المشروع السياسي ؟ هل سيكون حزبا جديدا أم تحالفا مرنا بين مكونات شتى ؟ ومتى ستتشكل قيادته المؤقتة ؟ وهل ستكون هذه اليافطة ذات جاذبية واضحة أم أنها ستكون ضحية ترضيات مختلفة دون قدرة على تأطير الشارع ؟

2 - كيف سيتعامل الشاهد ومشروعه السياسي مع حركة النهضة ومع الاتهامات الموجهة اليها بخصوص جهازها السري ؟ ستسعى القيادة الحالية للنداء إلى التمايز عن حركة النهضة على الأقصى وستكون ،على الأرجح ، قريبة جدا من المربع الذي اختارته الجبهة الشعبية وهو تحميل الحركة الإسلامية المسؤولية المباشرة - عبر تنظيمها السري – في عملية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وسيركز النداء على فكرة أساسية وهي أننا بصدد انقلاب ناعم على نتائج الانتخابات تقوده حركة النهضة وابنها المدلل يوسف الشاهد..

3 - النقطة السابقة هي الأكثر إحراجا للشاهد ولمشروعه السياسي اذ لا يمكن تناسي فضل النهضة في بقائه في القصبة وهذا سيحد حتما من صرامة انتقاده للحركة الإسلامية على الأقل قبل الانطلاق الفعلي للعملية الانتخابية وهذا ما يفقد المشروع السياسي للشاهد نقاطا ثمينة عند قاعدة انتخابية لا تطمئن مطلقا للإسلام السياسي ..

اليوم دخلنا مرحلة سياسية جديدة لا نعتقد أنها حسمت شيئا ما باستثناء وضوح مواقف الكتل البرلمانية من حكومة الشاهد .. وفي المقابل سنكون أمام اصطفافات وتموقعات جديدة للمؤسسات وللأحزاب أيضا ..

سنة سياسية ساخنة كما لم يتوقعها أحد من قبل ..

يوم أمس ربح يوسف الشاهد معركة هامة ولكن الحرب سجال كما يقال والعبرة فيها دوما بالخواتيم أي بصناديق الاقتراع ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115