ندوة صحفية لرئيس الدولة ليروي لعموم التونسيين ما اعتبره تحقيرا من رمزية رئاسة الجمهورية وتعاملا فيه بعض الاستخفاف والعجلة غير المبررة من قبل رئيس الحكومة في ما يتعلق بالتحوير الوزاري الأخير ..
في الأثناء ينعقد اجتماع مجلس الوزراء ليتداول في مسألة إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها كما هو نص المطّة الأولى من الفصل 92، مداولة كان من المفترض أن تحصل قبل إعلان التحوير الوزاري لا بعده..
أما في قصر باردو فقد اجتمع مكتب مجلس نواب الشعب ليبت في مسألة عقد الجلسة العامة لعرض الوزراء الجدد على ثقة النواب ولكن الخلاف كان حادا حول شرعية مراسلة رئيس الحكومة ولاسيما في مسألة تداول مجلس الوزراء بشأن تنقيح هيكلة الحكومة من عدمه وبعد شد وجذب تمكن مكتب المجلس من تحديد يوم الإثنين القادم كموعد للجلسة العامة لنيل الوزراء الجدد ثقة مجلس نواب الشعب..
يمكن أن نتوقف كثيرا على الشكل الذي اختاره رئيس الجمهورية للتعبير عن عدم رضاه عما حصل وانه إنما رد الفعل بناء على تقزيم دور الرئاسة .. ففي الشكل يمكن أن يقال الكثير بدءا باختيار الإطار – ندوة صحفية – ووسائل الإعلام المدعوة والمغيبة قصدا او سهوا وفلتات اللسان التي تعودنا بها من رئيس الدولة كـ«الصانعة» و«حكومة الظل» وشهداء الساحل ثم محاولة الإصلاح والبحث عن شهداء بقية الجهات التونسية دون الحديث ولو بصفة عرضية عن شهداء الثورة فكأنما الاستشهاد في سبيل البلاد قد توقف مع الحركة الوطنية فقط لا غير وكأن رئيس الدولة قد نسي أنه مدين لشهداء الثورة بموقعه هذا..
ولكن الأساسي يوم أمس لا يكمن في هذه التفاصيل على أهميتها وجاذبيتها للرأي العام للتندر او «التنبير» .. فذلك مهم ولاشك ولكن الأهم – على حد عبارة رئيس الدولة ذاته- هو موقف الباجي قائد السبسي من الأزمة المؤسساتية التي تكاد تعصف بما بقي من صبر عند عموم التونسيين ..
لقد اختار رئيس الدولة تغليب منطق العقل ومصلحة البلاد – وهذا لم يكن شأنه دوما خلال عهدته الرئاسية – ونأى بنفسه عن الدخول في نفق مظلم لا مخرج منه سوى مزيد تمزيق البلاد..
في الدوائر المقربة اليوم لرئيس الجمهورية من نصحه باستعمال الفصل 80 من الدستور أي بالاعتماد على مفهوم «الخطر الداهم» لأخذ تدابير استثنائية ..
يا سيادة الرئيس هؤلاء، وبعضهم مقرب جدّا إليك، هم الخطر الداهم على البلاد وكل «نصائحهم» تدفع إلى الفتنة وتعطيل الدستور والمؤسسات الديمقراطية .
الايجابي يوم أمس أن رئيس الدولة لم تدفعه الحمية إلى مثل هذا الشطط الخطير وأدرك أن مصلحة البلاد والعباد تكمن في تجاوز جراحات الأنا في الإساءة – ان حصلت – وتغليب منطق المؤسسات القائم على انسيابية دواليب الدولة وعدم تصادم مؤسساتها مهما كانت الخلافات القائمة بين الأشخاص والتيارات والمواقف ..
هل أخطأ رئيس الحكومة في طريقة تعامله مع ملف التحوير الوزاري؟
في اعتقادنا هنالك خطأ أساسي في التمشي القانوني وهو عدم تداول مجلس الوزراء في التغيير الجزئي لهيكلة الحكومة كما تفرضه المطّة الأولى من الفصل 92 خطأ تم إصلاحه بمجلس الوزراء يوم أمسوالخطأ الثاني هو عدم إعلام رئيس الدولة بالصيغة النهائية للتحوير الوزاري قبل الإعلان عنها لعموم التونسيين.
ولكن إدارة الدولة ليست فقط إجراءات وصلاحيات بل هي ايضا قائمة على قيم ونواميس واحترام المقامات لا لأشخاصها بل لما تمثله هذه الشخوص في الدولة. وتصرف رئيس الحكومة خلال هذه الأيام القليلة الفارطة فيه ما يعاب عليه من تسرع وعدم أخذ الوقت الكافي لا فقط مع رئيس الجمهورية بل وكذلك مع الوزراء المعفيين ..
وفي رأينا فان جزءا هاما من هذه الأخطاء التقديرية تعود لافتقار رئيس الحكومة إلى مستشارين سياسيين من طينة الكبار تماما كما هو الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية .. فغياب هذه الحلقة الأساسية في طبخ القرارات وحسن تسويقها واستباق الأزمات هو النقيصة الكبرى في أداء رأسي السلطة التنفيذية ..
ولكن رغم كل شيء ، فقد تجنبت بلادنا يوم أمس الأسوأ وتحولت التراجيديا إلى مجرد دراما وانتقلنا من التنازع الدستوري الخطير إلى صراع سياسي تعودنا عليه واليوم على كل الماسكين بالسلطة في مختلف المستويات ان يكون التقيد بروح القوانين ونصوصها قاعدة مشتركة لا نذكرها اليوم عندما تكون في صالحنا وننساها أو نتناساها عندما نرى في خرقها فائدة لنا . كما أنهم مدعوون ونحن على بعد أمتار قليلة من الانتخابات العامة إلى رفع مستوى النقاش وعدم الغلو والشطط في المواقف كاستعمال كلمة انقلاب في كل جملة وبغير موجب حق ..
تونس جديرة بممارسات سياسية أرقى بكثير من هذه وبصراع حول الأفكار والبرامج والتصورات لا بتبادل اللكمات «تحت السنتورة».