وداع إلى النسج عليها وهي الأغلبية المنتهية ولايتها وبين منتقدين لها ومبرزين لمواطن الخلل والقصور فيها ومقترحين بالتالي برامج بديلة وتصورات جديدة ..
هذا هو الوضع العادي والناخب (ة) مدعو (ة) للحسم في هذا النقاش وفق تقييمه الخاص لحصيلة العهدة المنتهية ..
ولكن بما أننا في تونس لا نسير على نهج سابق سنجد أنفسنا مع بداية الحملة الانتخابية القادمة أمام سؤال هام : من سيدافع عن حصيلة هذه الخماسية الحالية ؟ ومن سيتحمل أمام الناخبين تبعاتها الايجابية والسلبية في آن ؟
نظريا الائتلاف الذي حكم البلاد منذ بداية سنة 2015 هو الذي ينبغي عليه الذّب عما حصل في هذه السنوات الخمس ولكن نداء تونس الذى قاد هذا الائتلاف سيدخل الانتخابات القادمة من موقع المعارضة إن لم يتمكن في الأثناء من الإطاحة بحكومة الشاهد وخطابه واضح منذ البداية : النداء لم يحكم ولو يوما واحدا رغم فوزه في الانتخابات التشريعية والرئاسية. لم يحكم في البداية لأنّ الحبيب الصيد ليس من أبناء النداء وهو لم يلتزم ببرنامج الحزب الانتخابي ثم مع الشاهد لم يحكم النداء أيضا لأن رئيس الحكومة الثاني «ما يسمعش الكلام» ولم يأتمر يوما بأوامر حزبه ..
فالنداء إذن بريء من حصيلة هذه السنوات الخمس – بما فيها سنوات حكمه الفعلي – براءة الذئب من دم يوسف ..
في غياب النداء هل ستتحمل النهضة نصيبها من هذه الخماسية وهي التي لم تفارق الحكم لا في حكومتي الصيد ولا في حكومات الشاهد ولاسيما في هذه الثالثة القادمة على عجل؟ خطاب النهضة جاهز منذ بداية هذه العهدة الانتخابية .. نحن نساهم في الحكم من موقع شبه رمزي ووزننا في الحكومات المتعاقبة لا يضاهي وزننا الانتخابي ونحن سعينا إلى التوافق مع شركائنا (رئيس الجمهورية والنداء والآن يوسف الشاهد) فقط لإنقاذ البلاد ولكننا لم نكن أبدا في موقع القيادة وبالتالي سيكون من الإجحاف تحميلنا مسؤولية هذه الحصيلة، فوجودنا في الحكم أنقذ ما يمكن إنقاذه ولكن لم يكن المقود أبدا بأيدينا بل جل السلطات كانت عند شريكنا النداء من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة ورئاسة برلمان والوزارات السيادية وأهم السفارات والمؤسسات العمومية ..
النهضة أيضا بريئة من تركة الحصيلة براءة الثعلب من غباء الغراب ..
هل سيتحمل جزءا من الحصيلة رئيس الحكومة الأول السيد الحبيب الصيد الذي بقي في القصبة زهاء السنة ونصف السنة ؟
الأكيد لا وللرجل عذره فقد كانت السنة الأولى لحكمه أسوأ سنة في تاريخ البلاد والتي ضربها الإرهاب آنذاك في مناسبات ثلاث : باردو وسوسة ووسط العاصمة وأثخن في السياح وأدخل البلاد في فترة من الركود الاقتصادي وبإمكان السيد الحبيب الصيد أن يقول انه مع بدايات التعافي وخاصة دحر الإرهاب في بن قردان في مارس 2016 جاءت وثيقة قرطاج الأولى لإخراجه من القصبة وبالتالي لا يمكن أن تكون حكومته مسؤولة عن أي شيء من الحصيلة النهائية لهذه الخماسية..
• هل سيكون، أخيرا، يوسف الشاهد هو صاحب الحصيلة والمسؤول عنها ؟
لغة المنطق والأرقام تدفع في هذا الاتجاه فهو في الحكم منذ أكثر من سنتين وثلاثة أشهر وقد يقضي ثلاث سنوات أو تزيد قبل الانتخابات القادمة وهو اليوم الرجل القوي في البلاد بعد أن فرض إرادته على الجميع وقرر إجراء تحالفات صمد بها أمام حزبه وأمام رئيس الدولة وهو المتحدث عن انجازات حكومته منذ البداية فهل سيدافع الشاهد ورفاقه عن حصيلة هذه الخماسية أمام الناخبين ؟..
حدسنا أن الشاهد، بدوره، سيتنصل من جزء هام من حصيلة هذه الخماسية بحجة انه لم يكن مطلق اليدين خلال فترة حكمه وانه كان يضيع جزءا هاما من وقته وجهده للتصدي لمناورات حزبه وللخطط المتعاقبة لإبعاده من القصبة وانه لو كان مسنودا بصفة فعلية من حزبه ومن التحالف الحاكم لأقدم على كل الإصلاحات الضرورية لإنقاذ البلاد ولأنجز في هذه السنوات الثلاث كل ما ينبغي انجازه ولكن غياب الحزام السياسي بل «انقلابه» عليه هو الذي عطل مسيرة الإصلاح التي وعد بها التونسيين في خطاب نيل الثقة أمام مجلس نواب الشعب في أوت 2016..
إذن الشاهد بدوره بريء، لا من الحصيلة كلها بل فقط من نقاطها السلبية وسوف يعمل على إبراز كل الايجابيات التي تحققت خلال فترة حكمه بغض النظر عن مسؤولية حكومته في ذلك من عدمها وسوف يقول للناخبين في نهاية السنة القادمة : انظروا ما تمكنت من فعله رغم المحاصرة والمناورات وغياب السند السياسي ولكن لو تعطوني ثقتكم فقطار الإصلاح سينطلق بأقصى سرعة..
• بقي رئيس الدولة وهو المنتخب لكامل هذه العهدة فهل سيتحمل جزءا من الحصيلة ؟ قد لا يطرح هذا السؤال حتى مجرد الطرح في صورة عدم ترشح رئيس الدولة لولاية ثانية، ولكن حتى في صورة عرض نفسه مجددا على الناخبين فسيقول لهم انه بذل قصارى جهده لإخراج البلاد من «عنق الزجاجة» ولكن الدستور أعطاه صلاحيات محدودة وقد ألزم نفسه باحترامها وبعدم تجاوزها فبالتالي هو مسؤول عن صورة تونس بالخارج بفضل الديبلوماسية النشيطة التي قام بها ولكن لا حول له ولا قوة أمام تردي الأوضاع الداخلية رغم تنبيهه إلى خطورتها ولكن «غدر» الإخوان والأبناء حال دون الإصلاح خاصة في هذه السنة الأخيرة ..
إذن سنكون في وضعية غريبة في الانتخابات العامة القادمة : لا احد سيتحمل الحصيلة كاملة وإن تحمل جزءا منها فسيكون فقط في النقاط التي يعتبرها ايجابية وسنشاهد أيضا حالة أخرى لا تقل غرابة وهي اتهام مكونات أغلبية العهدة المنتهية بعضهم بعضا بسلبيات الحصيلة وبجوانبها الكارثية وقد يكونون أشد على بعضهم البعض من المعارضات الراديكالية لحكمهم..
تلك هي تونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي : بلاد بلا حصيلة يدافع عنها و«أخوة» أعداء ألدّاء لا يرقبون في بعضهم البعض إلاّ ولا ذمّة.