في كيمياء التحوير الوزاري المرتقب

يبدو أن التحوير الوزاري الذي قال عنه رئيس الحكومة في بداية الصائفة بأنه جاري التحميل قد بدأ ينضج وتتضح

ملامحه وإن طرأت عليه - وهو في وضع الافتراض – تحولات عدة بحكم التغيرات المتلاحقة والمتسارعة للمشهد السياسي ..

للتحوير الوزاري دور أساسي في إستراتيجية صاحب القصبة : انه رده الجوهري على مسألة شرعية حكومته .

التحوير الوزاري هو ميدان المعركة الذي اختاره يوسف الشاهد لكي يغلق به قوس الشرعية فهو لن يعرض حكومته على مجلس نواب الشعب كما يطالبه بذلك خصومه وعلى رأسهم رئيس الدولة بل يريد أن يتحكم في اختيار ساحة الوغى ،وهي ساحة من تحكم فيها بالكامل سيتحكم ولا شك في مصير المعركة ..

ليس خافيا على أحد بأن الانصهار المتبادل بين النداء والوطني الحر والمبارك من قبل صاحب قرطاج إنما يهدف أساسا إلى الإطاحة بالحكومة بإضعاف كتلة «الائتلاف الوطني» المساندة للاستقرار الحكومي ونجاح الشاهد – لو نجح- في تمرير سريع لتحوير حكومي يعني من وجهة نظره ، إفشال هذه العملية وبالتالي إفراغ هذا الانصهار المزدوج من هدفه الآني الجوهري .

كل الدلائل تشير اليوم إلى أن الانصهار المتبادل بين النداء والوطني الحر قد سرع في التقارب المسجل منذ أسابيع بين رئيس الحكومة وحزب مشروع تونس بما يجعل «الأغلبية الحكومية» في منأى – ولو بصفة ظرفية –عن كل زعزعة خاصة مع استمرار تواصل دعم حركة النهضة لـ»الاستقرار السياسي والحكومي» في البلاد.
ولكن هذا الانتصار المبدئي على المستوى الكمي والسياسي لا يحجب صعوبات وتعقيدات عملية التحوير الوزاري القادم .

يوسف الشاهد بين أمرين أحلاهما مرّ : تغيير حكومي شكلي وتقني يشمل بعض الوزراء المستقلين أو الندائيين الذين يرغبون في المغادرة – هذا إن وجد من يرغب في المغادرة! – ولكن تغييرا كهذا وإن يرضي الحركة الإسلامية فهو سيغضب ولاشك حليفه الجديد مشروع تونس لأنه يريد مغادرة من يعتبرهم رموز الفشل وبعضهم من الحليف الأكبر حركة النهضة، حليف لا يستطيع اليوم يوسف الشاهد إغضابه لأنه مدين له ببقائه إلى حد اليوم بالقصبة ..

هنالك حلّ ثان أمام يوسف الشاهد وهو إحداث محاصصة حزبية من صنف جديد تبقي للنهضة حجمها الحالي ولكن مع تغيير في الأشخاص الذين يمثلونها ويقحم شخصيات محسوبة على حزب مشروع تونس فتصبح لدينا ترويكا جديدة تتكون من الشاهديين والنهضويين والمشروعيين، ولكن تغييرا كهذا سيكون تسويقه السياسي ضعيفا من داخل هذا «التحالف» وخارجه .. فالمشروع يشعر بحرج كبير لو دخل في مرحلة من التحالف أو حتى التعايش مع حركة النهضة ثم إن إقحام شخصيتين من المشروع وتطعيم الفريق بنهضويين جدد مع بعض التكنوقراط لا يعني شيئا كثيرا إلا إذا كانت هنالك شخصيات وازنة من الحجم الكبير ..

التحدي الأكبر ليوسف الشاهد هو في إحداث تحوير وزاري ذي معنى لأغلبيته وكذلك لعامة التونسيين بإقحامه شخصيات جديدة تحظى بسمعة كبيرة ، ولكن لابد من الإقرار بندرة هذه العملة لا لقلة كفاءاتنا العالية ولكن لأن الشك والتشكيك دبّ في الأذهان بما قلص كثيرا من عدد الكفاءات العليا الخارجة عن مجال الشك والتشكيك..

ويبقى السؤال الأكبر : لم الإقدام على تغيير وزاري أشهر قليلـة -في أحسن الحالات– قبل مغادرة يوسف الشاهد للقصبة ؟ وما هو المطلوب من حكومة الشاهد 3 لبقية هذه الأشهر القليلة ؟

الواضح أن الهدف الأساسي من التغيير الوزاري الجاري تحميله منذ أشهر ليس ضخ دماء جديدة بصفة لافتة قد تغير من نظرة التونسيين لفاعلية الأداء الحكومي بل إجابة سياسية على خصوم الحكومة واختبارا لصلابة التحالفات السياسية لخوض المعارك القادمة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115