وتتواصل فوضى المؤسسات: الباجي قائد السبسي ينزل إلى الحلبة

كل يوم يأتينا بالجديد في تونس ، جديد مدهش أحيانا وغريب أحيانا
أخرى ، وليس أقل غرابة أن يكشف الناطق الرسمي باسم حزب عن فحوى لقاء جمع

رئيس الدولة بقائد حزب آخر وأن نجد في هذا البيان كل ما أراد رئيس الجمهورية تبليغه للرأي العام الوطني والدولي ولكن بواسطة هذا الجهاز الحزبي .

يمكن أن نتوقف كثيرا عند شكل البيان الذي أمضته الناطقة الرسمية باسم نداء تونس حول فحوى اللقاء بين رئيس الدولة ورئيس حركة النهضة ولكن الأساس يبقى في مضمون الرسائل التي أراد أن يبعث بها الباجي قائد السبسي وكذلك حول هذه الوسيلة الغريبة التي اختارها هذه المرة ..
هنالك حقيقة واضحة اليوم : الباجي قائد السبسي قد نزل نهائيا إلى الميدان السياسي وانه سيخوض كل الحروب السياسية الراهنة والقادمة بصفة مباشرة لا عبر وكالة الحزب الذي أسسه أو نجله المدير التنفيذي لهذا الحزب أو كتلته البرلمانية .

اللامقول في هذا الظهور المكتوب لرئيس الدولة هو إقراره النهائي بالفشل الذريع لكل الوسائط التي وضعها وعجزها عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب في المحافظة على الآلة الحزبية التي انتصر بفضلها الباجي قائد السبسي وحزب النداء الذي أسسه في الانتخابات العامة لسنة 2014..
وهذا الفشل هو الذي دفع رئيس الدولة إلى الخروج من وضعه شبه التحكيمي والمتعالي ،ظاهريا، على الصراعات الحزبية لينزل إلى الحلبة كفاعل سياسوي مباشر وكقائد فعلي ووحيد لنداء تونس ..

رهان الباجي قائد السبسي واضح : استعادة المبادرة السياسية ووضع نفسه في مركز القرار من جديد فهو اليوم يرفض اليد نصف الممدودة لحركة النهضة بل وسيرفضها اليوم وغدا وذلك مهما كان حجم تنازلات الحركة الإسلامية إذ قرر الباجي قائد السبسي أن يجعل منها خصمه الأول والمباشر في أفق 2019 وأن يهوّن من الصراع بينه وبين رئيس الحكومة ويجعله صراعا ثانويا مقابل الصراع الأساسي مع الحركة الإسلامية بحيث يصبح رئيس الحكومة خصما تابعا للنهضة لا المنافس الأول لرئيس الجمهورية .

الواضح أن رئيس الدولة يهدف إلى القضاء على الفضاء السياسي المتسع حاليا والذي يتمثل قوامه في المسألة التالية : احتمال وجود فضاء وسطي كبير على حساب نداء تونس ..

كل نشاطات ومناورات هذه الصائفة إنما مدارها معركة «الوسط» أي من سيمثل في الانتخابات العامة في أواخر 2019 هذا الفضاء السوسيولوجي الذي استولى عليه نداء تونس في 2014 ؟ هل سيكون النداء الحالي وقيادته الملتفة حول نجل رئيس الدولة أم نداء «جديد» يقوده يوسف الشاهد أم تجربة من خارج هذا الفضاء ؟
هذا هو الرهان السياسي الأساسي لهذه السنة الساخنة ..

تحليل رئيس الدولة بسيط : لو استمرت الأمور على هذه الشاكلة فسيمنى النداء الحالي بهزيمة نكراء قد تخرجه نهائيا من حلبة المنافسة السياسية ، والسؤال كان منذ إعلان نتائج الانتخابات البلدية : كيف السبيل الى الإصلاح ؟ كان الرأي داخل أوساط عديدة في الحكم هو إبعاد القيادة الحالية أي حافظ قائد السبسي ومجموعته وإعادة بناء الحزب الفائز في انتخابات 2014 حتى يكون قادرا على المنافسة، ولكن الرئيس المؤسس رفض هذا التمشي وانتصر لنجله حتى ضد بعض المقربين إليه كمدير ديوانه السيد سليم العزابي والذي اعتبر على ما يبدو أن البيان الأخير لحزب نداء قد دق آخر اسفين في سفينة نداء المترنحة ..

وقد لاحظ رئيس الدولة أن كل إشاراته الواضحة من حواره في قناة نسمة إلى آخر ظهور له في قناة الحوار لم تكن قادرة على قلب موازين القوى وإيقاف النزيف الذي أصاب كتلة الحزب وإطاراته الجهوية ..

نزول الباجي قائد البسي للحلبة يقصد به تحميس القواعد وإعادة الروح لجسم النداء المتهاوي و«تبشير» الجميع بأن الباجي قد عاد من جديد وانه سيعبث بجميع خصومه ، وبالطبع هذا يفترض أن يذهب الباجي قائد السبسي إلى النهاية أي أن يترشح لولاية ثانية وان يقود حزبه في الانتخابات القادمة وقد يضحي في الأثناء ، ظاهريا ، بنجله في مؤتمر النداء في جانفي القادم بان يتراجع إلى مواقع خلفية هو وبعض أنصاره قصد تحسين الواجهة الأمامية ما أمكن . فالنجل لن يتراجع لفائدة خصم من حجمه بل لوالده ولوالده فقط..

ولكن هنالك ثمن باهظ دفعه رئيس الدولة بهذا البروز السياسوي وهو مزيد إضعاف الدولة ومثاله هذا البيان الأخير للنداء الذي يذكرنا بمأساة الخلط الكامل بين الحزب والدولة ولكن بشكل هزلي هذه المرة ومثير للشفقة..
الغريب في سلوك رئيس الدولة أن دوائر المخلصين له بصدد الانفراط شبه الكلي ودليل ذلك إقدام الوزير مدير ديوانه السيد سليم العزابي على الاستقالة والذي يبدو أن السيل عنده قد بلغ الربى..

أما الإشكال السياسي الأكبر فهو خروج رئيس الدولة عن دوره الدستوري بصفة مبكرة للغاية إذ لا جدال في حقه وحق كل رئيس دولة قائم في الترشح لدورة ثانية ولكن العرف الديمقراطي هو أن يكون هذا الترشح في نهاية العهدة وألا يتحرك سياسويا بصفة جدية إلا خلال الحملة الانتخابية ، اما التموقع السياسوي لرمز الدولة قبل الموعد الانتخابي بأكثر من سنة فهو يعرضه لويلات الصراعات السياسية بصفة مبكرة للغاية ..اليوم الحرب السياسية مفتوحة على كل الواجهات وكل الاحتمالات واردة ..

فعلا الفرجة مضمونة ولكن البقاع محدودة ومحدودة للغاية ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115