انغلاق الأفق السياسي: حقيقة أم مخاوف مبالغ فيها ؟

هنالك إحساس عند جزء هام من التونسيين بانسداد الأفق السياسي أو بالأحرى بأن السياسة والسياسيين غير

قادرين على إيجاد الحلول لتونس وأن حكمهم ، أيا كانت أحزابهم ، إنما يفاقم الأزمات ولا يسهم في حلّها ..
عند هؤلاء التونسيين نزلت تصريحات وزير الدفاع السيد عبد الكريم الزبيدي بردا وسلاما. أغلب السياسيين مسؤولون عن جلّ مشاكلنا والشعب سيحاسبهم يوما ما ..
لا جدال في صدق هذه المشاعر وفي انطباقها على جزء هام من ممارسات ومناكفات السياسيين خلال كل سنوات الثورة هذه وأن بلادنا قد ابتليت بحكومات هواة وعقائديين وانتهازيين ضاعت فيها الكفاءات المتناثرة ولم تقدر على تغيير أوضاع الناس ، بل لم تقدر حتى على المحافظة على الموجود ..
ولكن هل فعلا حالنا بصدد الانهيار و أن السياسيين سيجهزون على ما بقي قائما في البلاد ؟

يمكن أن نقرأ أوضاع تونس من زوايا مختلفة إذ لا ينكر احد حجم السلبيات والنقائص وحتى الكوارث التي حلت بالبلاد وكل حكومة تتحمل أقساطا من الذي حصل ولكن لو ننظر بعين الإنصاف نرى أن هنالك قدرة فائقة على الصمود عند عموم التونسيين وان اقتصاد البلاد ، رغم كل الصعوبات ، ما زال قائما والبلاد تشتغل والحياة تتواصل والطموحات الفردية تتزايد رغم قلة ذات اليد أحيانا ثم إن ننسى فلا ننسى أن بلادنا قد تجاوزت فترة العنف السياسي والأوهام الإيديولوجية للترويكا وهي بصدد ربح معركتها ضد الإرهاب رغم الكلفة البشرية المرتفعة ولكن هذه حرب مفروضة على البشرية جمعاء وبلادنا بصدد كسبها بطريقة لا رجعة فيها ..

صحيح أن أشياء كثيرة لم تتغير بعد في البلاد بل لعلها زادت سوءا ومن أهمها استفحال الفساد ولكن ثمة أشياء هامة بصدد التحول الايجابي ولا نتحدث فقط عن مجال الحريات والتعددية والديمقراطية ، وهذه ليست أشياء هينة بل بهذا الشعور المتنامي بأن مصير البلاد بأيدينا لا بأيدي ساكني قرطاج والقصبة وباردو فقط .. هنالك حيوية كبرى على مستوى المجتمع المدني لا فقط الذي تركز عليه وسائل الإعلام بل ذلك الكم الهائل من المبادرات لتنظيف حي او ساحة عمومية أو ذاك التضامن الرائع مع أهالينا في ولاية نابل وكذلك ذلك الكم الهائل من المشاريع لشبابنا في كل جهات البلاد وقصص النجاح الدراسي والثقافي والصناعي والتقني، فتونس ليست قاحلة كلها وليست دمارا أو تضخما ماليا أو مديونية او انزلاقا للدينار .. تونس هذا وذاك ، فهي جمهورية القبائل من جهة حيث تريد كل قبيلة ان تقتطع شيئا منها وهي كذلك محاولات البناء الجماعي والفردي والجهد اليومي ..
الإشكال كل الإشكال أن هذه الجهود الخيرة لم تجد بعد كيف تتضافر مع بعضها البعض وكيف تتفوق على الرداءة وكيف تخلق مناخا من التفاؤل يبدد غيوم التشاؤم المحدق بالبلاد..
هنالك خشية واحدة اليوم هي أن ييأس التونسيات والتونسيون من صندوق الاقتراع لأنهم يئسوا من كل السياسيين ..

نريد أن نقول شيئا واحدا هنا هو انه لا بديل عن الديمقراطية مهما كانت مساوئها وعيوبها ونواقصها سوى الاستبداد، والاستبداد حتى وان حقق بعض النمو في البداية فهو مفيد للبلاد وللعباد ومنتهك للحقوق وللحريات ويؤدي – طال الدهر أو قصر – إلى الهاوية بينما الديمقراطية تسمح دوما بتصحيح المسار وبتغيير الأغلبيات .
بلادنا مقبلة على انتخابات عامة بعد حوالي سنة والكلمة ستعود للمواطنات وللمواطنين لانتخاب البرلمان ورئيس الجمهورية ويمكن لكل صوت ان يغيّر في الموازنات العامة ولا وجود لأي صوت غير مفيد ..
المهم اليوم هو أن يثق التونسيون في مؤسساتهم وفي المسار الديمقراطي لبلادنا وأن مساوئ السياسيين عابرة ، وأنّ وحدها صلابة المؤسسات باقية ..لينتخب كل واحد فينا من يراه الأجدر فأن نضيء شمعة ولو واحدة أفضل من لعن الظلام ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115