والمتمثلة بالأساس في تكوين كتلة جديدة , وهي الائتلاف الوطني التي أضحت الثانية من حيث الحجم بينما تراجعت كتلة النداء إلى المرتبة الثالثة بعد أن كانت هي الفائزة في انتخابات 2014..
لا يهمنا الآن الحكم على هذه «السياحة» الحزبية ومعرفة دوافعها المباشرة والبعيدة ، ولكن الأكيد أنها تعكس تململا كبيرا في الحياة السياسية لاسيما بالنسبة للحزب الأول نداء تونس ومشاكل تسيير داخله أتينا عليها بإطناب في مناسبات سابقة ..
المهم هو كيف سيتصرف البرلمان بصفة إجمالية أمام الكم الهائل من التحديات المطروحة أمامه خلال هذه الدورة الأخيرة من عهدته الانتخابية خاصة وانه سيجد نفسه بين فكوك كماشة الأزمة الراهنة للنداء ونهاية التوافق بين «الشيخين» والانتخابات العامة في نهاية السنة المقبلة .
وتتمثل الخشية الأساسية في تعطيل أشغال هامة بحكم استحالة وجود أغلبيات واضحة في مسائل جوهرية .
أولى هذه القضايا التي اعترضت المجلس بتوازناته الجديدة ومنذ يوم أمس هي توافق الكتل النيابية على أمرين أساسيين : انتخاب رئيس جديد لهيئة الانتخابات بعدما استقال محمد التليلي المنصري من منصبه منذ بداية الصائفة وكذلك استكمال انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين من حصة مجلس النواب في المحكمة الدستورية ..
ولا يخفى على أحد أهمية هذين الأمرين لحسن استكمال المؤسسات الدستورية ولضمان عدم انتكاسة الانتقال الديمقراطي في بلادنا ..
لاشك أن لكل حزب ممثل في البرلمان أو كتلة دون حزب يسندها –إلى حد الآن – وجهة نظر وتصور مخصوص لشروط استكمال المؤسسات الدستورية ولكن ثمة مسالة اكبر من تصورات الأحزاب واستراتيجياتها سواء تعلق الأمر باختيار الأشخاص لهذه الهيئات أو بتقدير سلم الأولويات كأن ينتخب الآن رئيس هيئة الانتخابات ثم نقوم بالتجديد الثلثي أو العكس .. الأكبر والاهم من كل هذه الحسابات والتغييرات هو ألا يتم تهديد الانتقال الديمقراطي نتيجة لخلافات لا نريد حلها بالتنازل المتبادل ..
من الناحية النظرية يمكن أن نقول بأن التجديد الثلثي لهيئة الانتخابات ينبغي أن يستبق انتخاب رئيسها حتى يكون كل الأعضاء التسعة معنيين بهذه الرئاسة ولعل هذا هو الذي يتناغم مع روح القانون المؤسس لهذه الهيئة .. ولكن عندما نعلم استحالة الحوار اليوم بين الرئيس المستقيل وبقية الأعضاء داخل مجلس هيئة الانتخابات وان الرئيس هو آمر الصرف وان بعض أعضاء الهيئة يهددون بانتخاب رئيس بالنيابة يوم 15 أكتوبر إن استحال انتخاب رئيس جديد من قبل البرلمان ، وأن الاستعداد الفعلي للانتخابات العامة لخريف 2019 قد بدأ .. عندما نعلم كل هذا ألا يكون من العبث البدء بالتجديد الثلثي ومع ما قد يستغرقه هذا من وقت (بضعة أشهر على الأقل)؟!
ثم إن انتخاب رئيس الهيئة يستوجب الأغلبية البسيطة (109 من النواب) بينما التجديد الثلثي يستدعي أغلبية الثلثين أي 145 نائبا .
هنا سنعلم إن كان مجلس نواب الشعب بتركيبته السياسية الجديدة سيسعى لاستباق الأزمة واحتوائها أم لخلق أخرى جديدة بتعلة شكلانية التمشي الإجرائي.
وما قلناه عن هيئة الانتخابات نقوله عن استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية فالمجلس التشريعي مطالب بانتخاب ثلث أعضاء المحكمة الدستورية (أي أربعة أعضاء ) ليأتي بعد ذلك دور المجلس الأعلى للقضاء لانتخاب أربعة أعضاء آخرين ثم يستكمل رئيس الجمهورية الثلث الباقي..
نذكر جيدا انه تم انتخاب عضوة واحدة من أصل أربعة ثم تنكرت بعض الكتل لتعهداتها المكتوبة ولم يتم انتخاب بقية الأعضاء ثم جاءت مبادرة تشريعية رئاسية للنزول من أغلبية ثلثين إلى الأغلبية البسيطة ، والمجلس لم يحسم بعد في هذا المشروع بل النية تتجه إلى محاولة أخيرة لانتخاب بقية الأعضاء بقاعدة الثلثين ولكن هذا يستدعي توافقا جديا واسعا وانضباطا كبيرا من قبل كل النواب للتوافق بين رؤساء الكتل . ولو لجأت الأغلبية الحالية إلى النزول بشروط الأغلبية من المعزّزة إلى البسيطة أي بالتحكم المنفرد في بقية أعضاء المحكمة الدستورية فسيكون ذلك انتكاسة هامة لمسار تركيز المؤسسات في بلادنا..
يوم أمس انعقدت جلسة رؤساء الكتل ولم يحصل اتفاق حول هاتين المسألتين وطلبت كتلة الائتلاف الوطني التأجيل الى يوم الخميس 4 أكتوبر لمزيد التشاور وما نرجوه ان يتعالى الجميع على الحسابات الصغيرة وان يدركوا أن الأزمة المتعددة الجوانب التي تعيشها البلاد لا تحتاج الى تازيم إضافي وأن يصبح البرلمان جزءا من المشكل لا عنصرا اساسيا في الحل.
العبرة هنا ليست بالخواتيم بل بالبدايات ..
فحل ايجابي لهيئة الانتخابات وللمحكمة الدستورية سيجعلنا أكثر تفاؤلا بمالآت هذه السنة الصعبة ، اما لو بدأنا بالأزمة فستكون البلاد أمام سنة صعبة وصعبة للغاية..