سنة انتخابية.. أزمة سياسية.. احتقان اجتماعي .. كوارث طبيعية: تونس محتاجة إلى تهدئة

توصيف الوضع العام لبلاد ما مسألة معقدة لأن الاختزال هو دوما أيسر الأمور ..

ولكن ما يمكن قوله هو أن وضع تونس في الفترة الأخيرة يتسم بارتفاع منسوب التوتر في جل مجالات الحياة العامة ..
وأحيانا لا موجب لتوتر ما سوى الوضع العام المتسم بالتوتر أي وكأن التوتر يتغذى من التوتر فضلا عن تفاقمه بمقتضى المعطيات الموضوعية الحافة بحياة الناس ..

لا ينكر أحد أن القدرة الشرائية لجل شرائح التونسيين قد تردت خلال هذه السنة بفعل التضخم القوي وخاصة في ما يتعلق بأسعار المواد الاستهلاكية اليومية وهنا الأرقام لا تقول كل شيء إذ المهم هو الإحساس العام المشترك بالتهاب الأسعار وبما يترتب عنه من صعوبات جمة للفئات الشعبية وللطبقة الوسطى كذلك ..وعندما يهتم المواطن بالشأن العام يجد نفسه تحت وابل من أنباء الخلافات والصراعات التي تنخر الساحة السياسية والاجتماعية منذ حوالي نصف السنة أدت بالبلاد إلى أزمة مؤسسات وانفجار الصراع العلني بين رأسي السلطة التنفيذية بعد أن تمزق الحزب الفائز في انتخابات 2014 إلى ملل ونحل أمام أنظار المواطنين الذين لم يروا في صراعات السياسيين حلولا لمشاكل عيشهم اليومي بيئيا وصحيا ، وما أزمة الدواء عنا ببعيدة ، وتربويا ومهنيا .. ثم تأتي الكوارث الطبيعية كالفيضانات لتعري هشاشة بنيتنا التحتية واضطراب مسؤولينا وضجر مواطنينا رغم مظاهر التضامن المثلجة للصدور ..

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

لاشك أن أجزاء هامة من التونسيين تواصل عيشها بصفة شبه عادية في المصانع والمؤسسات والإدارات والمتاجر ولكن هنالك يأس دبّ في جل الصدور والعقول يجعل من الغالبية العظمى لشبابنا وحتى لكهولنا لا تفكّر إلا في الهجرة سواء كانت نظامية أو لا نظامية ..
يدرك كل التونسيين في قرارة أنفسهم أن إنقاذ البلاد بل وازدهارها مسألة ممكنة ولكنهم لا يعلمون كيف يتحولون من الوضعية الحالية إلى هذا المستقبل الممكن والمبهم في نفس الوقت ..

للإنصاف لا يمكن أن نقول أن جهة ما هي المسؤولة عن هذا الشعور بالقتامة في تونس اليوم المتسمة بجمهورية القبائل فكل طرف له مسؤولية في ضعف الدولة وما ينجر عنه من ضعف الانجاز والبناء المشترك ومن سيادة الارتياب المتبادل وضعف منسوب الثقة في أنفسنا وفي بعضنا البعض.
ولكن المسؤولية الأولى تعود بالطبع إلى منظومة الحكم ( ولا نقول الحكومة فقط) وما نخشاه ليس فقط أن تخسر تونس هذه السنة الانتخابية بل أن تزيد الأوضاع سوءا خلالها .

الحل الأمثل ، نظريا ، هو اختصار هذه المدة إلى الأقصى وإعطاء الكلمة للناخبين من جديد ولكن رغبة الفاعلين السياسيين الحاليين والدستور المنظم لمثل هذه الحالات الاستثنائية يجعل من هذا التعجيل أمرا مستحيلا اليوم .. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله .. أي أن حالة من التهدئة ممكنة اليوم وخفض منسوب التوتر السياسي والاجتماعي ليس مسألة مستحيلة رغم التصدعات التي نشاهدها أمام أعيننا .. والتهدئة ضرورية لا فقط لمعنويات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين ولكن أيضا لتوفير مناخات معقولة لسنة انتخابية ستكون ساخنة بطبعها والمعاينة الموضوعية تقول بوضوح بأن حكومة الشاهد ، بحق أو بغير حق ، قد أصبحت هي العنوان الأبرز للأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد فهل من الحكمة أن تواصل عملها وكأن شيئا لم يكن ؟!

لا يكمن الإشكال في معرفة من هو على حق ومن هو على خطا في هذه الأزمة وهل أن للحكومة الحالية أغلبية في البرلمان أم لا ، الإشكال هو هل تستطيع بلادنا العيش سنة أخرى على وضع تصدع رأسي السلطة التنفيذية وأزمة حادة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة ؟
قد يكون من المفيد الاتفاق بين أهم الأطراف السياسية ( والحكومة من بينها) والاجتماعية على خارطة طريق للسنة المتبقية نعلم فيها متى ستغادر حكومة الشاهد وما هي المهام الدقيقة وفلسفة تكوين ما يمكن أن نسميه بحكومة انتخابات .

نحن لا ندعو إلى مغادرة متسرعة وغير مدروسة ونعلم جيدا أن حكومة الشاهد مدعوة لتقديم مشروعي قانوني المالية والميزانية لمجلس نواب الشعب قبل يوم 15 أكتوبر القادم ثم ستتم مناقشة هذين القانونين ثم المصادقة عليهما قبل 10 ديسمبر ولا يعقل أن تغادر الحكومة قبل الانتهاء من هذه المهمة الرئيسية ولكن بعد ذلك ستدخل البلاد مباشرة في حمى الانتخابات وكل المؤشرات تفيد بان رئيس الحكومة الحالي سيكون معنيا بها بشكل من الأشكال أفلا يكون من الأفضل الاتفاق على تاريخ للمغادرة وعلى طبيعة الحكومة القادمة وتكوينها ومهامها حتى ننزع فتيل كل الصراعات السياسية الحالية ونخفض بصفة كبيرة منسوب التوتر السياسي والاجتماعي أيضا ولكي لا تستعمل الدولة كذلك في خدمة مشروع سياسي كما يتهم بذلك يوسف الشاهد..

ولكن لا معنى لتهدئة لا ينخرط فيها كل السياسيين الفاعلين لا لتتحول سجالاتهم إلى مداعبات وجمل ديبلوماسية بل لينتهوا من الشتم والسباب وتخوين الخصوم ..
هذه التهدئة ضرورية لكي نستعيد تدريجيا الثقة في بعضنا البعض وننصرف إلى العمل ونحسن الاستعداد للمواعيد الانتخابية الحاسمة ..
الأساسي هو تخفيض منسوب التوتر وكل الطرق الموصلة إليه محمودة..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115