الخصبة لهذه الانتهاكات بأنواعها، فالحريات تنتهك في أعتى النظم عراقة في الديمقراطية فما بالك في نظم الاستبداد والحكم المطلق وما أكثرها في محيطنا العربي ..
ويبدو أن بعضنا يشعر بنوع من الخجل من إدانة هذه الممارسات خاصة إذا قامت بها نظم صديقة أو تعرضت لها مجموعات سياسية لدينا مع عقائدها خصومات كبيرة ، ونفعل ذلك تارة باسم عدم التدخل في شؤون الغير وطورا لأننا نتضامن مع ما يبدو لنا ايجابيا في سياسات هؤلاء الحكام المنتهكين للحريات ..
في الآونة الأخيرة تأتينا أخبار من مصر والسعودية لا تطمئن البتة .. أحكام بالإعدام بالجملة في الأولى ضد قيادات الإخوان المسلمين بتهمة التحريض على القتل وارتكاب أعمال عنف خلال اعتصام «رابعة» في صائفة 2013 والذي قتل فيه المئات من معتصمي الإخوان المحتجين على الإطاحة بحكمهم من قبل الجيش وقبل ذلك صدور حكم بالإعدام في حق ناشطة حقوقية سعودية من اجل تدويناتها على شبكات التواصل الاجتماعي وكذلك مطالبة النيابة في هذا البلد الشقيق باعدام أحد نشطاء ما يسمى بالصحوة الإسلامية سلمان العودة بنفس التهمة أيضا.
لا يمكن للضمير الديمقراطي العربي أن يبقى ساكتا أمام هذه المحاكمات السياسية التي لا تتوفر فيها أدنى مقومات المحاكمة العادلة وأمام هذا الإسراف في اللجوء إلى عقوبة الإعدام وذلك بغض النظر عن المتهمين وأخطائهم وجرائمهم إن وجدت ..
في الضمير الديمقراطي حكم الإعدام مدان والمحاكمة غير العادلة مدانة حتى وان تعرض لها أبشع المجرمين وانتهاك حقوق الأفراد والجماعات مدان أيضا حتى وإن كان ضحيته ألد خصومنا الفكريين والسياسيين ..
أن تلجأ حكومات لا تعبأ كثيرا بحقوق الإنسان إلى هذه الانتهاكات المتكررة فهذا لا يدهشنا ولكن أن يصمت المدافعون عن حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة عن مثل هذه الفضائع بتعلة أنها تستهدف حركات اسلاموية فذلك ما ينبئ عن ضعف تبيئة الثقافة الديمقراطية في ربوعنا ..
لا ينبغي أن يذهب إلى ظن البعض بأننا نتعالى عن إخواننا العرب في المشرق أو المغرب أو أننا في خانة الواعظين اللائمين أو إننا نتدخل فيما لا يعنينا .. أو أننا نعمل على زعزعة الاستقرار في بلدان تشكو ، كبلادنا ، من هشاشات عدة ..
إننا ننطلق من قناعة واحدة تقول بأن حقوق الأفراد والجماعات ينبغي أن تصان تحت كل سماء الدنيا وأنه لا يوجد شعب غير جدير بحكم ديمقراطي قائم على مبدإ احترام ورعاية حقوق الإنسان كما أن قضايا العرب في التنمية والديمقراطية والرقي هي قضايا مشتركة رغم خصوصية كل بلد وكل تجربة تاريخية ..
نفهم أن تتحفظ الحكومات على الإفصاح بما يستوجبه منطق القيم لأن لديها مصالح عاجلة وآجلة وجاليات في مختلف بلاد الدنيا ولكن للنخب الفكرية والثقافية والسياسية والحقوقية منطق آخر .
حكم الإخوان في مصر كان كارثة وقد اقترف جرائم في حق أفراد وجماعات ولكن العمل على تصفيتهم بهذه الطريقة مظلمة ولن يولد إلا مزيدا من الأحقاد والكوارث ..
هنالك اختزال تقوم به بعض النظم والنخب يقوم على مبدإ التماثل التام بين الإخوان من جهة والدواعش والقاعدة من جهة أخرى وأن كل إخواني أو إسلامي هو إرهابي بالفعل لا بالقوة ..
هذا المنطق فاشستي لا غير لانه قائم على «مبدإ» عربي أصيل : كل معارض هو إرهابي بالفعل وما يطال الإخوان اليوم يطال غيرهم غدا ..
هنالك فرق جوهري بين اعتبار حركة الإخوان حركة متطرفة ومعادية لجوهر الديمقراطية القائمة على أولوية الحريات الفردية وبين المطالبة بتصفية اعضائها ومنتميها جسديا أو الاعتقاد بأنه يمكن بناء نظام ديمقراطي على جماجم جزء من المواطنين ..
لاشك أننا جميعا أمام تحد مصيري وهو تحدي الإرهاب ، والإرهاب السلفي الجهادي المعولم له خطوط تماس مع الأجنحة الأصولية الراديكالية لحركات الإسلام السياسي ولكن وضع كل من ينتمي للاسلاموية في خانة واحدة واعتبارهم كلهم ، ودون اي تمييز ، إرهابيين بالفعل إنما هو اختيار خاطئ ينمي صفوف الأعداء ولا يستفيد منه إلا الإرهاب
السلفي الجهادي المعولم .. ثم إن وحدها النظم الديمقراطية قادرة على دحر آفة الإرهاب ، أما النظم المستبدة فهي تزرعه زرعا كلما اعتقدت أنها بصدد اقتلاعه ..
الديمقراطية ليست انتماء قبليا وحربا ضروسا يشنها من يعلنون أنفسهم حداثيين على الرجعيين المحافظين .. الديمقراطية مسار صعب متشعب يبدأ بالتعايش بين المتغايرين ويهدف الى تحصين حرية الفرد وحقوقه في إطار مشروع جماعي قائم على التضامن بين الجهات والفئات والأجيال ..
ومعركة الديمقراطية تقام داخل الدولة الوطنية أما معارك الحرية فلا حدود لها ..