السفينة الندائية بصدد الغرق وأن من بقي فيها لا يتجاوز الحلقة المقربة من نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي ؟سؤال له وجاهة ولاشك ولكن يبدو أن شروط الجزم بجواب محدد لم تحن بعد..
قلنا في مناسبات عديدة بان القوة الحقيقية لنداء تونس في صيغته الحالية لا تكمن في قيادته مهما تطعمت بل في أمرين اثنين :
- النداء هو حزب رئيس الجمهورية وبالتالي حزب الدولة في مخيال جزء هام من مواطنينا.
- تمسك الوجاهات الجهوية بالنداء كإطار للعمل السياسي رغم رفض العديدين منها لمسار «التوريث الديمقراطي»..
والسؤال اليوم هل فقد النداء هاتين الدعامتين أم لا ؟
- النداء مازال حزب رئيس الدولة لكنه لم يعد بالضبط حزب الدولة على الأقل بالنسبة لقيادته الحالية ولكن الأهم من ذلك هو بدء مسار مغادرة بعض الوجهاء والشخصيات النافذة جهويا للنداء وهي التي كانت من عوامل انتصاره الساحق في 2014..
والسؤال الجدي الوحيد هو هل سيتواصل مسلسل مغادرة الوجاهات الجهوية والمحلية للنداء أم ستتمكن القيادة الحالية من إيقاف هذا النزيف ؟
هنالك حقيقة واحدة ثابتة داخل النداء وهي أن الواجهة الحالية للحزب لو لم تدعمها الوجاهات الجهوية ستقود الحزب الفائز في 2014 إلى كارثة مدمرة في 2019 وربما إلى اندثار نهائي كذلك .
أمران فقط قد ينقذان النداء من هذا المصير شبه المحتوم :
الأول هو إعلان رئيس الجمهورية عن نيته الترشح لعهدة رئاسية قادمة اما الثاني فهو تقديم شخصية بديلة يكون بإمكانها خوض الاستحقاق الرئاسي ببعض حظوظ النجاح مع تغيير جذري للواجهة الأمامية للنداء ..
كل المؤشرات الحالية تفيد بأن الباجي قائد السبسي لن يرشح نفسه لولاية رئاسية ثانية ولكن تمرد «الابن الروحي» قد يضطره لمراجعة هذا القرار لاسيما وإن تأكد أن ترشحه هو وحده القادر على إنقاذ السفينة الندائية ..وهكذا قد نعود في نهاية 2018 إلى الخطة الأولى للتوريث الديمقراطي في أواخر 2016 وهي ولاية رئاسية ثانية لقائد السبسي الأب تمهيدا لترشح محتمل للابن في 2024..
ولكن هنالك عوائق ضخمة أمام هذه الفرضية بدءا بالسن المتقدم لرئيس الدولة ولما يبدو وانه تعهدات تجاه أهم شركائنا بالاكتفاء بعهدة رئاسية واحدة ..
ولكن على افتراض تجاوز عنصري السن والتعهدات لأصدقاء تونس ينبغي على رئيس الدولة الحالي إن أراد قلب الموازين بصفة جدية أن يعلن عن ترشحه بصفة مبكرة حتى يوقف نزيف هجرة الوجاهات المحلية وحتى يجند ما بقي له من أنصار لخوض الانتخابات ببعض حظوظ النجاح ..
ولا يخفى على أحد أن الاعلان المبكر لترشح رئيس دولة وهو في الحكم مناف للأعراف ولمنطق المؤسسات إذ يدخل رئاسة الجمهورية في قلب الأعاصير الانتخابية سنة كاملة قبل ميقاتها الدستوري ويفقد رئيس الدولة كل قدرة تحكيمية في هذه الفترة المتبقية من ولايته ..
ثم لا شيء يفيد بأن الباجي قائد السبسي قادر على فوز ثان بل لعله قد يسقط من الدور الأول فيخرج من التاريخ من اصغر نافذة..
ثم إن هو أعلن نيته الترشح وكان نجله هو المسؤول الأول في نداء تونس فسيكون هدفا سهلا لكل خصومه وسيعرض سمعته وسمعة عائلته لهجومات قاسية فتتحول هذه الورقة من سعي لاستعادة المبادرة إلى كارثة شخصية وعائلية وسياسية ..
يبقى الاحتمال الثاني وهو تقديم شخصية ندائية قادرة على خوض سباق الرئاسية بحظوظ جدية والنداء لا يتوفر في صفوفه – إلى حد الآن – إلا على شخص واحد بمثل هذه المواصفات هوالناجي جلول وزير التربية السابق والمدير العام الحالي للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية والذي تضعه جل عمليات سبر الآراء من بين الشخصيات الندائية الأكثر شعبية ..ولكن هل يقبل حافظ قائد السبسي بالتنحي لفائدة الناجي جلول؟ وهل بإمكان جلول قيادة آلة حزبية وانتخابية والتحكم في الجهاز قصد قيادته للمواعيد الانتخابية القادمة تشريعيا ورئاسيا ؟
الواضح اليوم أن حافظ قائد السبسي والملتفين حوله لن يقبلوا بسيناريو كهذا إلا متى ضمنوا إمكانية التحكم فيه وهذان شرطان متناقضان لأن الإمكانية الوحيدة لنجاح سيناريو مماثل هي الإبعاد النهائي لهذه الواجهة التي طالما أضرت بصورة الحزب الفائز في 2014..
إنقاذ نداء تونس، ولو نسبيا ، ليس في المطلق عملية مستحيلة ولكنها تشترط سيناريو طوباويا إلى حد كبير : إسقاط حكومة الشاهد في الأسابيع القليلة المقبلة ثم إفساح المجال لترشح رئاسي جديد للباجي قائد السبسي او للناجي جلول مع إبعاد الواجهة القيادية بأكملها في كلتي الحالتين ..
يقول الفرنسيون :بـ «لو» يمكن أن نضع باريس في قارورة .. ويبدو أن مهمة إنقاذ نداء تونس أعسر بكثير من وضع باريس أو غيرها في قارورة حتى لو كان صاحبها منتشيا بالأمل إلى حد الثمالة ..