عن تطوير خطاباتهم ودعم المجتمع المدني في جهوده من أجل نشر التوعية وترسيخ القيم النبيلة وبناء السلم وإشاعة أدب الحوار والمناظرة.
وفي هذا السياق كتب صديقي الشيخ حسّان أبو عرقوب المسؤول في دار الإفتاء الأردنية في جريدة الدستور الصادرة بتاريخ 9 - 8 - 2018 مقالا أبرز فيه خطورة الإشاعات وما يترتب عنها من نتائج على الفرد والجماعة فيقول: «القاعدة العلمية الذهبية التي رسمها الإسلام لأبنائه ...إن كنت ناقلا فالصحة وإن كنت مدعيا فالدليل فمن نقل خبرا عليه أن يثبت صحته بل ويطالب بذلك وإلا فلا يقبل خبره وكذلك من ادّعى شيئا فعليه إثبات صحة دعواه بالأدلة والبراهين».
ونحن إذ نشير إلى هذا الرأي نجد أنفسنا مدفوعين إلى إجراء المقارنات بين ما يفعله هؤلاء و«الحرب» التي يشنّها «العلماء» في هذه الأيام ضدّ «مجموعة التسعة» و«تقرير بشرى...» والتي تجري رحاها أوّلا: على أرض الواقع من خلال الاجتماعات المكثفة والتنسيق والتشبيك وتنظيم المسيرات، والدعوة من فوق المنابر إلى الخروج يوم 11 أوت، وكذلك ترهيب المخالفين... وثانيا: من خلال «الأنترنات» واستغلال ما وفرته مواقع التواصل من إمكانيات. فإذا صوبنا اهتمامنا إلى ما يروّج من أخبار على «الفايسبوك» بان لنا أنّ الحوار قد تحوّل إلى طقوس ثلب وقذف وشتم ولعن ... توجه إلى لجنة التسعة ومن والاهم من «اراذل القوم والسفهاء» واعداء الاسلام في بلادنا «المفسدون في الأرض» ...وكذلك إلى شق في حركة النهضة كلطفي زيتون، وماهر مذيوب، والمرسني وغيرهم.
وما يسترعي الانتباه في تحركات الشيوخ والأئمة إصرارهم على توظيف النصوص الدينية لبناء صورة إيجابية لأنفسهم. فهم المدافعون عن الله والرسول والإسلام وكلّ المقدسات، المؤمنون الصادقون،... وفي المقابل تصنع صورة أعضاء «لجنة المساواة والحريات» ومن ناصرهم، أي الأعداء الكافرون، مُوالو الصهاينة، وفرنسا، محاربو شرع الله...وإذا كانت اللجنة قد نشرت التقرير بجميع أبوابه وفصوله فإنّ الجماعة حرصت على توزيع «ملخص» على الناس في الساحات وغيرها من الأفضية. وهو نصّ يعيد التصرف في التقرير بطريقة تنسف ما ورد فيه وتشوهه فتغيب عددا من المواد والفصول وتلحق به استنتاجات هي من صياغة «المدافعين عن شرع الله» تعكس مخاوفهم وفنتازماتهم.
ومن المهمّ أن نتوقّف عند بعض هذه التحذيرات التي من شأنها أن تبثّ الرعب في قلوب المؤمنين وتحرّكهم للدفاع عن الإسلام ظاهرا وعن تصوّراتهم أو امتيازاتهم باطنا. فالتقرير حسب هؤلاء يدعو مثلا إلى:
- «إلغاء القيود الدينية والأخلاقية عن السينما والمسرح»
- «كلّ نقد للفنون أو البحوث يعتبر جريمة يتوجب عليها عقوبة بالسجن».
- «إلغاء كلمة الإسلام والمسلمين من الدستور وجميع القوانين والمناشير»
- «كل عملية ختان تعتبر جريمة»
- «إلغاء جميع العقوبات الزجرية فيما يخص شرب الخمر وتعاطي المخدرات».
- «مضاجعة الزوجة دون رضاها تعتبر جريمة اغتصاب».
توضّح الأساليب المستعملة في دحض ما جاء في التقرير من آراء التعارض بين ما تقوم عليه وظيفة من يعتبر نفسه أعلم الناس، وأكثرهم فهما للنصوص، وأتقاهم من ركائز كالنزاهة والصدق والورع.. وما آل إليه الأداء على الركح الاجتماعي-السياسي من إفتراء وكذب وبهتان واختلاق للتهم و.. وهو أمر خطير يومئ إلى الانزياح والانحراف الحاصل لدى فئة أرادت التموقع واكتساب السلطة والهيمنة على الجماهير حتى وإن اقتضى الأمر استعمال المكر والدهاء والترهيب والتجييش وهي أساليب معروفة في الحرب السياسية ولا نعتقد أن النقاشات الاجتماعية والفكرية تدار على هذا النحو من «السقوط الأخلاقي».
ويستغل مهندسو الحرب الضروس المتخيل الجمعي فيشيرون إلى دور المرأة في بث الفتنة. فبشرى هي المسؤولة عن إشاعة الفساد والتطاول على الله ولا عجب في ذلك فحواء أخرجت آدم من الجنّة. وهكذا يتحوّل قائد السبسي والشرفي والجورشي وغيرهم إلى ضحايا كيد النساء الديمقراطيات والحداثيات ويغدو الصراع مزدوجا لنصرة الله والإسلام وحماية الرجال، ولذلك يتعيّن على هؤلاء الخروج قُبيل عيد النساء، دفاعا عن رجولتهم. وهكذا يتغيّر موضوع النقاش وتُحوّل وجهة التقرير وتتغيّر أساليب الإقناع ويخضع الشأن الديني لعملية اختطاف. ولكن لصالح من؟