نواب الشعب الثقة لوزير الداخلية المكلف هشام الفراتي وكان الرهان السياسي هاما جدا لرئيس الحكومة يوسف الشاهد اذ كان يلعب مستقبله السياسي في هذا التصويت اذ لا يعقل أن يبقى صاحب القصبة في مكانه ان لم يحصل الوزير المقترح على ثقة البرلمان.
كل الأطراف المساندة والمعارضة ليوسف الشاهد تحسب وتعيد حساب المع والضدّ وكل الكتل تجتمع، بعضها فيها تجانس كبير اما مع منح الثقة كالنهضة والكتلة الوطنية أو مع حجبها كالكتلة الديمقراطية والجبهة الشعبية أما بقية الكتل وبدءا بكتلة رئيس الحكومة نداء تونس فقد احتد الخلاف فيها واستعمل المدير التنفيذي للحزب كل وسائل «الاقناع» لحمل الكتلة على التصويت ضدّ منح الثقة.. وللنزاهة نقول بأن كل الأطراف استعملت كل وسائل «الاقناع» ومحاولة التأثير حتى يتحدد اتجاه التصويت قبل بدء جلسة منح الثقة.
يوم أمس الأساسي لم يدر في الجلسة العامة وخلال الساعات الطويلة للنقاش العام بل في أروقة قصر باردو وفي اجتماعات الكتل وفي المكالمات الهاتفية التي تستعمل برمجيات مشفرة وفي اللقاءات الثنائية والجانبية..
وكان ملاحظا وجود القيادات السياسية لأحزاب الحكم قصد التسييج النهائي لتصويت الكتل التي تمثلهم.
وبقي الانقسام حادا في كتلة النداء بين من يريد اسقاط الحكومة عبر عدم منح الثقة لوزير الداخلية المقترح وبين من يساند «الاستقرار الحكومي» أي ما أسماه بعضهم الحافظيون والشاهديون وكان الأوائل يحتاجون لانضباط تام وكلي للكتلة حتى يكون اسقاط الوزير المقترح أمرا ممكنا..
يبدو أن تعداد أصوات المع والضدّ قد بيّن لقيادة النداء بأن الأغلبية المطلقة متوفرة لمنح الثقة لوزير الداخلية المقترح وأن هنالك حوالي 110 من النواب (أي أكثر من الأغلبية المطلقة بنائب واحد) متوفرة حتى لو صوت كل نواب النداء ضدّ منح الثقة لهشام الفراتي أي أن كل حسابات نجل رئيس الجمهورية ستنهار وأنه سيخسر هذه الجولة الحاسمة ضدّ غريمه في منظومة الحكم.
عند الاقتناع باستحالة انجاح مخطط الاسقاط غير المباشر لصاحب القصبة وتحت ضغط متصاعد من عدد من نواب النداء المعارضين لتوجهات حافظ قائد السبسي اضطر هذا الأخير الى التراجع حتى ينقذ ما أمكن من ماء الوجه فعقد ندوة صحفية داخل أروقة المجلس للاعلان عن تغيير موقف النداء بمنحه الثقة لوزير الداخلية المكلف مع التأكيد على عدم ثقته في رئيس الحكومة بل ومطالبته بالقدوم الى المجلس في غضون عشرة أيام لعرض نفسه على ثقة البرلمان..
شروط لا تلزم الا من نطق بها فالمجلس سيدخل في عطلة برلمانية ولا أحد يعتقد أن «الحافظيين» قادرون على جمع ثلث النواب للدعوة لدورة استثنائية خلال هذه الصائفة..
ومع إعلان النداء عن موقفه الجديد تغيرت كل المعطيات وفضّل بعضهم عدم الزج بنفسه في صف الخاسرين.
معركة منح الثقة لوزير الداخلية المقترح تحولت من ميلودراما الى ما يشبه مسرح الظلّ فلا تكاد تعرف فيها الصديق الفعلي من العدو المناور ولا المناهض الصادق من المناوئ لأسباب شخصية لها أسباب يجهلها العقل كما يقول الفيلسوف الفرنسي باسكال..
وهكذا صوّت 148 نائبا على منح الثقة لوزير الداخلية المقترح بعدما حامت لفترة معينة شكوك كبيرة حول امكانية حصوله على الأصوات الضرورية لنيل الثقة (109).
وفي الأخير ربح يوسف الشاهد هذه المعركة ضد قيادة حزبه ولكن الأزمة السياسية مازالت قائمة في البلاد وحالة الاصطفاف مازالت حادة.
والسؤال هو هل سينخفض منسوب التوتر والصراع في البلاد أم سيزداد حدّة وأن الأطراف المتنازعة ستعد كل العدة لمعارك قادمة..
يوم أمس في الحقيقة لم يربح فعليا أحد، بل خرجت منظومة الحكم أكثر ضعفا وتحوّل موازين القوى لفائدة يوسف الشاهد لا يعني بأن الوضع السياسي سيكون أفضل بل ستكثر الضربات تحت «السنتورة» من كل الأطراف،،
البلاد ليست مضطرة للاصطفاف اما وراء يوسف الشاهد ومشروعه الذي لم يتضح بعد أو حافظ قائد السبسي ووهم التوريث الديمقراطي..
مشاكل تونس أكبر بكثير من كل هذا ..