«سيّب الدواء ... من حقّي نعيش»

يعد الحقّ في الصحّة من الحقوق الأساسية التي ينبغي أن يتمتّع بها كلّ إنسان. ويرتبط هذا الحق بالعديد من الحقوق كالحق في الغذاء والماء والسكن والعمل والتعليم والبيئة

السليمة والحياة وعدم التمييز والخصوصية والوصول إلى المعلومات وحظر التعذيب وغير ذلك. ومن ثمّة فإنّ مطالبة الدولة بتحمّل مسؤولياتها في ما يتعلّق بتوفير الرعاية الصحية والدواء وغيرها من الخدمات أمر مشروع ومكفول دستوريا. غير أنّ غياب التصوّر لدى عدد من الوزراء الذين تداولوا على رأس هذه الوزارة وخضوع البعض منهم «للوبيات» المدافعة عن امتيازاتها قد أفضى إلى تدهور الخدمات وغياب الإطار الضروريّ في عدد من المرافق الصحية فضلا عن عسر التواصل بين الإطار الطبيّ والمواطنين وهو ما أدّى إلى استشراء العنف في أغلب الأوقات.
ولئن اجبر عامّة التونسيين على التأقلم مع هذا الوضع على مضض فإنّ نقص مخزون الأدوية أو فقدانها من الصيدليات قد خلق حالة من الهلع واليأس لاسيما وأنّ أصحاب الأمراض المزمنة لا يمكنهم الاستغناء عن جرعة دواء ألفوها تيسّر لهم الاستمرار في تحمّل الآلام. وبين تضارب الأقوال والتصريحات بين الوزير وعدد من الأطباء والموظفين في قطاع الصحّة من جهة، والوزير والمرضى من جهة أخرى تفاقمت الأزمة وليس أمام المريض إلاّ «التسوّل». وهنا تطرح قضية الاعتداء على الكرامة الإنسانية لفئة من التونسيين فتقصير المسؤولين وعلى رأسهم الوزير في توفير الحاجات الأساسية وصياغة سياسة علاجية ناجعة قد دفع هؤلاء إلى التماس خدمات من المسافرين كجلب الدواء وحدّث ولا حرج عن الحالة النفسية لهؤلاء الذين باتوا أسيري من يسدون لهم الخدمات منّا وتفضّلا.
وعندما تغيب خلية الأزمات داخل الوزارة أو تكون بلا نجاعة تحضر المبادرات وآخرها هاشتاغ وينو الدواء؟ و«سيّب الدواء من حقّي نعيش» وهي علامة على الوعي الاجتماعي وحجة على بلوغ فئة من التونسيين درجة من الشعور بالمسؤولية تجعلهم يحاولون إيجاد الحلول بعد تقاعس الوزارة عن أداء واجبها. «وينو الدواء» ...شكل من أشكال حضور فئة من التونسيين المؤمنين بالتضامن الإنساني من أجل تجاوز الأزمات ، «وسيّب الدواء من حقّي نعيش» هي دلالة على قيام فئة من المجتمع المدني بدور محاسبة وزير عجز عن إيجاد المخرج والبديل وظلّ تحت وصاية حزبه. «وينو الدواء» صيحة فئة من التونسيين الذين لا يملكون إلاّ رفع الصوت عاليا في سياق يعمّ فيه الإحباط واللامبالاة والتباغض...
. Winou_eddwe #وينو_الدواء؟
تطرح مسألة فقدان عدد من الأدوية مجموعة من الأسئلة الخاصة بالكفاءة والحوكمة والمحاسبة والفساد وأخلاقيات المهنة وأزمة انهيار القيم وغيرها. فما معنى وجود شبكات تهريب للأدوية تراكم الثروات على حساب آلام الناس؟ وما معنى أن يتحوّل عدد من العاملين في القطاع الصحّي إلى تجاّر يتاجرون بأرواح البشر؟ وما معنى أن ينبّه عدد من الصيادلة الوزارة بالمشاكل الخاصة بالتزود بكميات من العقاقير وهي في سبات عميق؟ وما معنى أن يلجأ المرضى إلى شبكات موازية توفر الدواء مثلما توفر بقية المنتوجات بفوائض؟
ليس التمادي في تجاهل أزمة فقدان عدد من الأدوية في تقديرنا، إلاّ حجة على الاستمرار في تكريس التمييز بين من يملكون المال فيعثرون على أفضل الخدمات وينفقون على حسابهم الخاص ومن يطول انتظارهم في الطابور من أجل الحصول على بعض الدواء ، وهو التمييز بين السليم المعافى الذي لا يبالي بمعاناة الآخرين ما دام موفور الصحة ويعيش في رفاهية ، وأصحاب الأسقام الذين يتألمون في صمت...
وإذا كان يعزّ علينا العثور على الترياق الملائم لمعالجة كلّ الأدواء المتفشية في المجال السياسي والمجال الاقتصادي والمجال الثقافي فإنّ غاية المنى صارت لدى البعض الحصول على بعض الدواء تمسّكا بحقّ الحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115