2019 على الأبواب: في الاستراتيجيات السياسية القادمة

من نافلة القول التأكيد بأن الاستعداد لانتخابات 2019 قد بدأ منذ مدة وأن الأدمغة المفكر

ة لأهم الفاعلين السياســـيين، أحزابا وشخصيات عامة ، بصدد تدارس مختلف الوضعيات الممكنة والطرق الفضلى لاستغلالها. والواضح كذلك أن من سيخرج من دائرة المنافسة الجدية بعد سنة قد يخرج نهائيا من حلبة المنافسة السياسية الجدية ..

النداء والبحث عن قيادة جديدة
نداء تونس هو في ذات الوقت قصة نجاح باهرة وقصة فشل مدوّ.. والنجاح توفر مع وجود القيادة الكارزماتية القادرة على خلق وشائج واسعة مع الرأي العام والفشل كان في غياب هذه القيادة والاستعاضة عنها بمغامرة «التوريث الديمقراطي» والتي هي بصدد لفظ أنفاسها الأخيرة ..
نداء تونس مني على امتداد هذه الأشهر الأخيرة بهزائم متكررة ولكنه رغم ذلك مازال قادرا على حدّ أدنى من الجاذبية، والسؤال هو هل سيتمكن الندائيون من المحافظة على «الشقف» أم سيغرق المركب بمن حمل ؟ ..ثم وهذا هو أحد الأسئلة الجوهرية ، ما هي القيادة التي سترث سياسيا الباجي قائد السبسي ؟ حافظ قائد السبسي أم يوسف الشاهد أم الناجي جلول أم غيرهم ؟

ورغم أن الانتخابات التشريعية ستسبق الانتخابات الرئاسية ولكن لو لم يتوفق النداء في توحيد فعلي لصفوفه وفي اختيار قيادة ذات مصداقية وقادرة على المنافسة الجدية في الرئاسية فهو سيخسر حتما الانتخابات التشريعية والرئاسية معا ولا ينبغي أن يعول كثيرا على فزاعة النهضة وعودة الإسلام السياسي فالتونسيون رغم توجس جزء هام منهم من الإسلام السياسي إلا أنهم لا يلدغون من جحر مرتين وهم لن يصوتوا فقط «ضدّ» بل لابد من مشروع يستهويهم ليصوتوا لفائدته ..
كل السيناريوهات واردة في حق نداء تونس: من الاضمحلال النهائي في 2019 إلى استعادة ريادته السياسية وان كانت مجريات أوضاعه اليوم ترجح الاحتمال الأول إلى حد الآن على الأقل ..

النهضة والخوف من الانتصار الكاسح...
وضع الحركة الإسلامية غريب للغاية فهي لم تفعل شيئا يذكر ولكن انهيار حليفها / خصمها النداء جعلها تعود – دون جهد منها – إلى المرتبة الأولى ولو تواصل التآكل الندائي فالنهضة قد تحقق فوزا ساحقا في تشريعية 2019 فقد تجد نفسها الحزب الأول بوزن انتخابي ونيابي يضاهي الثلث ولكن دون منافس جدي بل جمع من الأحزاب الصغيرة والوسطى تماما كما حصل في سنة 2011. بعض النهضويين يمنون النفس بهذا الفوز الثأري ولكن القيادة الإسلامية متوجسة إلى أبعد حد من سيناريو كهذا إذ يعيد حركتهم إلى محور الصراع الإيديولوجي والسياسي ويقحمهم في أزمة حكم جديدة منذ اللحظة الأولى .. لذا يبدو أن الحركة قد قررت منذ الآن عدم ترشيح احد قيادييها للانتخابات الرئاسية وذلك حتى يكون انتصارها نسبيا ولديه الحد الأدنى من المقبولية ما دام رئيس الجمهورية من غير صفّها .

التيار الديمقراطي : القوة الصاعدة
لقد أثبتت الانتخابات البلدية الأخيرة أن حزب التيار الديمقراطي لم يعد ظاهرة إعلامية تحوم حول الزوجين محمد وسامية عبو بل قوة سياسية صاعدة ذات هوية واضحة ومستجيبة لجزء متنام من الرأي العام الذي لم يعد يثق في الثنائي النداء والنهضة مع نقد جذري للمنظومة القديمة ..
لقد تجاوز التيار الديمقراطي معدل %10 من الأصوات في الدوائر البلدية التي قدمت فيها قائمة وافتك من الجبهة الشعبية ،مبدئيا، موقع القوة الثالثة .. ويبدو أن التيار الديمقراطي وفق هذا النسق التصاعدي قد يكون منافسا جديا ، في التشريعية ، على المرتبة الثانية كما أن مرشحه الطبيعي للرئاسية محمد عبو ، قد يحدث مفاجأة في 2019 بتأهل ممكن للدور الثاني .
لقد استفادت الجبهة الشعبية قليلا من تراجع النداء خاصة في البلديات وهي الآن توصلت إلى حصد رئاسة ثمانية مجالس بلدية ولكن نسق استفادة الجبهة اضعف من نسق استفادة التيار وربما لأن نوعية الاحتجاج الجبهوي تبدو قديمة إلى حد ما بينما تجد شعارات التيار صدى اقوى وأكثر لاسيما في الفئات الشبابية ذات مستوى التعليم الجامعي ..

المغامرات الفردية
تعودنا في تونس على المغامرات الفردية في كل شي بما في ذلك في السياسة إذ ترى «أحزابا» تشبه إلى حد ما فرقا كالبرتغال أو الأرجنتين أي أحزابا ينصب كل جهدها وهمها على توفير أسباب نجاح مشكوك فيها لمؤسسها فقط لا غير .. أحزاب لا تستعد إلا للانتخابات الرئاسية وكأن كرسي قرطاج هو غاية المنى وسدرة المنتهى .. أحزاب لا هيكلة ولا قواعد لها بل لها فقط «زعيم» يحلم بالرئاسة صباحا مساء ويوم الأحد .. أحزاب لم تفهم بعد أن السياسة مشروع جماعي لا مغامرة فردية .. أحزاب لا وجود لها في البلديات ولن يكون لها وجود كذلك في البرلمان ورغم ذلك يريد «زعماؤها» حكم البلاد !!
كم ستغنم بلادنا لو شكلت 2019 النهاية الفعلية لكل المغامرات الفردية في السياسة
هكذا تبدو مختلف الاستراتيجيات ونحن على مشارف انتخابات مفصلية في تاريخ البلاد ..

انتخابات يرجى منها وضع حد للمؤقت والمنفلت ولصراع أجنحة السلطة وتآكلها .. ولكن لاشي يمنع الأفراد والأمم من تكرار أخطاء الماضي.. وحده الإنسان قادر على الإصرار على الخطإ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115