الكثر وأن ينوّه بالديمقراطية التشاركية في محاولة منه لتجاوز تضخم الأنا التي عانى منها أصحاب النداء. كما أنّ مرزوق بدا مصرّا على جندرة خطابه فتوجه بالقول إلى النساء وأشاد بدور سيدات الأعمال والمناضلات بل إنّه لم ينف المكانة التي يحظى بها لدى النساء.
وعلاوة على ما سبق حاول مرزوق جاهدا أن لا يركّز على الخلافات السابقة التي كانت وراء استقالته من حزب النداء وأن يبدي كلّ الاحترام لرئيس الدولة مؤكّدا على أنّه يريد أن ينظر إلى المستقبل فالماضي ولّى وانتهى. ولكن ما إن وجّه له أحد الندائيين اللوم والنقد حتى انفلت العقال فعاد مرزوق ليثبت أنّ حزب النداء غير ديمقراطي بل وجدناه يكرّر أكثر من مرّة أنّ الخلافات مستمرّة داخل حزب النداء بالرغم من مغادرته للحزب.
لابد أن نقرّ أنّ مرزوق بدا ملمّا بفنّ التواصل قادرا في الغالب، على السيطرة على الموقف متمكّنا من ضروب التحكّم في حضوره وصورته ولذلك كان شاطرا. والشاطر لغة هو الذي يقاسم ويشارك غيره الرأي أو المال، والشاطر: هو الفَهِمُ المتصرف : ولكنّ الشاطر هو أيضا الداهية ، المكير ، الخبيثٌ والماكر، وشَطَرَ الرجلُ على قومه شُطورًا ، وشَطَارة : أعيا قومَه شَرًّا وخُبثًا . وفي كلّ الحالات فإنّ مرزوق كان خير ‘ناطق رسمي’ باسم الحركة التي أسسها بعد استشارات أنجزت وبيانات وزّعت وأرقام ضبطت وفق أحدث طرق العمل السياسي.
بيد أنّ لسائل أن يسأل هل تكمن الجدّة في تحديث شكل العمل السياسي وتعصير أدوات النشاط السياسي أم أنّها تتجاوز ذلك لتُبين عن تصوّر فعليّ لمستقبل تونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا؟ أليست علّة جميع الأحزاب أنّها عجزت إلى حدّ الآن عن صياغة تصور دقيق وشامل لرسم سياسات متلائمة مع الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد؟
إنّ المتابع للحوار التلفزي مع مرزوق لا يكاد يقف على مضمون واضح ودقيق للمشروع الذي يقوم عليه هذا المولود السياسي الجديد غاية ما في الأمر أنه ينهل من المعين البورقيبي مثله مثل بقية الأحزاب وكأن مؤسسيه يعترفون بأنه لا يمكن لأي كيان سياسي أن ينتزع الاعتراف إلا متى تموقع وفق الخط البورقيبي «الوسطي». ولئن حاول مرزوق أن يثبت أن الحركة التي أسسها لا تتبنى الليبرالية المتوحشة خيارا اقتصاديا وتراهن على منوال اقتصادي يتلاءم مع الواقع فإن هذا الخيار الاقتصادي بدا كلاما فضفاضا عاما مثله مثل التوجه السياسي الدولي الذي يسعى إلى أن يكون منفتحا في ذات الوقت على قطر والإمارات والصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ولكن هل تكفي الرغبة في الانفتاح على الجميع لرسم معالم السياسة الخارجية؟ أليست علاقة تونس بغيرها من الدول خاضعة لموازين القوى وإكراهات السياق الحاضر حيث النزاعات والرهانات؟
من حق مرزوق وعصبته أن ينشقوا عن حزب النداء وأن يؤسسوا لهم حزبا بديلا ومن حق هؤلاء أن يطمحوا إلى احتلال موقع في الساحة السياسية ولكن أليس من حق تونس على أبنائها أن يثبتوا أنهم قد وصلوا سن الرشد وما عادوا مراهقين في عالم السياسة أو متطفلين على العمل السياسي؟
قد ينجح مرزوق في صياغة خطاب سياسي يحرّك المشاعر ولا يسقط في شراك الإعلاميين ولكن إلى أي مدى سيكون بإمكان مرزوق تجديد ثقة التونسيين في السياسة والسياسيين؟ وهل بمقدوره أن يصوغ مشروع إنقاذ فعلي للبلاد مبني على حلول علمية وواقعية ولا على شعارات وأوهام؟