خسائره في غيرها ..
خسر بلدية العاصمة التي كانت شبه مربوحة قبل إجراء الانتخابات وحتى بعدها باعتبار أن مرشحة النهضة سعاد عبد الرحيم لم تحصل إلا على 21 مقعدا من أصل 60 وأن منافسها الندائي كمال ايدير قد حصل على 17 وقد كان يبدو أن لكمال ايدير مخزن أصوات أرفع بكثير مما تمتلكه النهضة خاصة بعدما أكد التيار الديمقراطي (8 مقاعد) والجبهة الشعبية ( 4 مقاعد) أنهما لن يصوتا لمرشحي الحزبين الحاكمين ..
بقي إذن 6 مقاعد للاتحاد المدني و4 للقائمة المستقلة «مدينتي تونس» وكان يبدو أن هذه الأصوات العشرة مضمونة لمرشح النداء في الدور الثاني نظرا للتقارب الفكري والسياسي بين هذه القائمات الثلاث ولكن حصل ما لم يكن ينتظره الكثيرون وانشطرت هذه الأصوات العشرة إلى نصفين متوازيين 5 للنهضة و5 للنداء وقد حصل هذا في الدور الأول وفي الدور الثاني أيضا بما يفيد أن دعوات التصويت المفيد لحلفاء نداء بالأمس لم تجد نفعا كما أن التخويف من اعتلاء نهضوية لـ«مشيخة» المدينة لم يكن مجديا كذلك..
كان يراد لبلدية تونس أن تكون الشجرة التي تخفي الغابة، غابة التراجع الندائي الكبير لا فقط في عدد الأصوات والنسب ولكن كذلك في الصورة السياسية وفي نوعية الخطاب الذي تريد قيادته التسويق له منذ هزيمة الانتخابات التشريعية الجزئية في ألمانيا والتراجع الكبير في بلديات 2018 وهو أن النهضة قادمة وأنّ وحده النداء قادر على الصمود أمام «الزحف الإسلامي» .
لا نعتقد بأن حركة النهضة قد طبعت وضعها بالكامل في البلاد فجزء هام من المواطنين وجلّ النخب مازالت مرتابة منها وكل عمليات سبر الآراء تبين أن حوالي نصف التونسيين لا ولن يصوتوا للنهضة وان الحركة الاسلامية هي الأكثر بعدا عن قلوبهم .. ولكن الجديد منذ 2018 أن النداء لم يعد ذا مصداقية في ادعائه معاداة الإسلام السياسي بدليل تحالفه معه في الحكم والذي اعتبره جزء من القاعدة الانتخابية الندائية خيانة مؤتمن.
الأكيد أن تفعيل الخوف أو التخوف من الإسلام السياسي مازال عنصرا فعالا ولكن التونسيين، كسائر المؤمنين ، لا يلدغون من الجحر مرتين وأنهم غير مستعدين لتصديق من وعد وأخلف وان النداء لا يمكنه استعادة جزء من ألقه فقط بالاعتماد على الفزاعة الإسلامية حتى لو اعتقد بعضهم أنه بالإمكان استعادة سيناريو المناخات المحتقنة في عهد الترويكا لتكون معاداة الإسلام السياسي البرنامج الوحيد لربح انتخابات 2019. النداء وحلفاؤه المرتقبون مضطرون لو أرادوا أن يعودوا في السباق ، إلى تقديم برنامج جدّي لتونس في 2019 وبقيادات تحظى بالحدّ الأدنى من المصداقية ..
أما لو عدنا إلى تقدم عملية انتخاب رؤساء البلديات فلقد بلغت إلى حد كتابة هذه الأسطر 301 بلدية من أصل 350 ، أي بنسبة %86 وقد واصلت حركة النهضة تقدمها بحصولها على 118 بلدية (%39) يليها المستقلون بـ102 (%34) بينما اكتفى النداء برئاسة 62 بلدية وبنسبة %21 وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن ما حصل في انتخاب رئيسة بلدية تونس العاصمة ليس أمرا استثنائيا رغم قيمته الرمزية الكبيرة وطنيا ودوليا، وأنه متناسق مع ما نحن بصدد ملاحظته على المستوى الوطني في كل جهات البلاد..
الواضح والجلي أن التونسيين الذين توجهوا لصناديق الاقتراع يوم 6 ماي 2018 أرادوا ان يقولوا أشياء عديدة للطبقة السياسية وخاصة تلك التي تحكم البلاد منذ ثلاث سنوات ونصف ولكن الواضح والجلي كذلك أن جل السياسيين لم يفهموا بعد رسائل من صوتوا فما بالك بالذين لم يكلفوا أنفسهم عناء التصويت ..
وفي السياسة ، كما في الرياضة النصر لا يأتي إلا بعد فهم أسباب الهزيمة والعمل على تغيير هذه العوامل بصفة جذرية ، أما إنكار الواقع والسير في نفس الطريق الخطأ فلن يؤدي إلا لهزائم جديدة بل قد يفاقمها إلى درجة يصبح الإصلاح بعدها مستحيلا ..
بعد فوز النهضة ببلدية تونس وتقدمها في جلّ البلديات: نهاية «التصويت المفيد» !
- بقلم زياد كريشان
- 09:46 04/07/2018
- 3499 عدد المشاهدات
حصل يوم أمس «زلزال» صغير فقد خسر النداء البلدية الأم التي كان يعول كثيرا على ربحها لتعويض كم