وبيانات تمحورت كلها حول نقطة واحدة وحيدة : ضرورة الرحيل الفوري لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ومن اجل هذه الغاية الوحيدة نجد اليوم أمامنا «تحالفات» أو «تقاربات» ظرفية لا يربط بينها في الماضي القريب شيء يذكر ولكنها تجندت جميعا تحت شعار المرحلة « عدو عدوي صديقي»..
يتزعم هذه الجبهة الظرفية اليوم الاتحاد العام التونسي للشغل ونداء تونس وتحتمي بهما وتقف وراءهما منظمات وأحزاب كما تقف معهما في نفس المربع لوبيات بعضها ظاهر لا يخفي رغبته في «صنع» أو «هزم» الملوك والبعض خفي يسعى إلى تحريك بعض الأوراق من وراء الستار كما دأب على فعل ذلك منذ سنين..
ويبدو أن كل هذه المنظمات والأحزاب أو بالأحرى القيادات المركزية هنا وهناك قد حزمت أمرها لحسم سريع لهذه المعركة فالوقت لا يلعب ضرورة لصالحها وتواصل الانسداد في هذه الأزمة السياسية الخانقة قد يبعثر بعض أوراقها اليوم ..
مسألة رحيل الشاهد قد أضحت قضية «حياة أو موت» لا فقط عند اتحاد الشغل ونداء تونس بل وكذلك عند حلفائهما الظرفيين والغاية واضحة: منع يوسف الشاهد من إعداد خروجه من الحكم بعد أسابيع أو أشهر قليلة وإرغامه على المغادرة الفورية بأية طريقة ممكنة ..
يعلم الجميع أن هنالك ثلاثة طرق لا رابع لها تنهي مهمة الشاهد في القصبة أولاها الاستقالة وثانيها طلب رئيس الدولة من البرلمان التصويت على مواصلة الحكومة لعملها وثالثها لائحة لوم يقدمها ثلث النواب ثم تصوّت عليها الأغلبية المطلقة شرط اتفاقها في نفس التصويت على رئيس حكومة جديد..فحلّ بيد الشاهد نفسه وآخر بيد رئيس الجمهورية ،على الأقل من حيث المبادرة ، وثالث بيد مجلس نواب الشعب ..
والواضح أن يوسف الشاهد لن يستقيل إلا متى اعتقد أنه قد جهّز نفسه لما بعد القصبة .. بقي إذن لخصومه تدخل رئيس الدولة وفق الفصل 99 من الدستور أو لائحة لوم وفق الفصل 97..
ولكن الإشكال بالنسبة لهذا التحالف الظرفي المعقد أنه لا وجود اليوم لأغلبية مطلقة (109 من النواب ) مضمونة لسحب الثقة من الشاهد مع الاتفاق في نفس الوقت على بديل له والإشكال يكمن في رفض حركة النهضة – إلى حد الآن –لهذا التمشي وانقسام كتلة نداء تونس حول هذا الموضوع..
وانقسام كتلة نداء تونس يعود بالأساس لعدم تأكد جلّ نوابها من الموقف الحقيقي لرئيس الدولة : أهو مع بقاء يوسف الشاهد أم مع رأي نجله في ضرورة رحيله الفوري؟ .. وقبل إشارة واضحة ومرجحة من رئيس الدولة يفضل جل نواب نداء تونس الوقوف فوق الربوة حتى لا يكونوا في الصف الخاسر ..
هذا الوضع هو الذي دفع بكل خصوم الشاهد ولا سيما أولئك الذين لديهم اكثر من قناة اتصال مع رئيس الدولة إلى السعي المحموم والمتكرر لإقناع «الثعلب العجوز» بضرورة التدخل الواضح في هذه الأزمة بحجة أن صمته سوف يعقدها أكثر ويجعل كلفة الخروج منها باهظة للغاية ويتصور قادة هذا التحالف الظرفي أن موقفا رئاسيا ضد رئيس الحكومة من شأنه تغيير موازين القوى بصفة جذرية داخل كتلة النداء لفائدة المدير التنفيذي وهنا تصبح للائحة اللوم ضد صاحب القصبة بعض حظوظ النجاح ..
ولكن حتى في صورة إمضاء جل نواب نداء تونس على لائحة لوم ضد رئيس الحكومة فحظوظ بلوغ عتبة 73امضاء تبقى محدودة فالنداء لا يملك إلا 56 نائبا من بينهم زهاء العشرة قد عبروا عن رفضهم الواضح للإمضاء على لائحة لوم .. والنداء بإمكانه التعويل على نواب الوطني الحر (12نائبا) نظرا لحرص الرئيس « المستقيل» سليم الرياحي على رحيل الشاهد ولكن عندما يتعلق الأمر بكتلة الحرة لمشروع تونس (20 نائبا) تبدأ الصعوبات لأن زعيم الحركة محسن مرزوق يريد رحيل الشاهد على عكس بعض نوابه في البرلمان ..
قد يلتحق بهذه الفكرة بعض النواب المستقلين أو من حزب آفاق ولكننا بالكاد نصل إلى رقم 73 ولا يتصور أحد أن تلتحق بمبادرة ندائية كهذه كتل المعارضة كالجبهة الشعبية أو الكتلة الديمقراطية رغم معارضتها الشديدة لحكومة الشاهد..
ملخص القول أن معارضي الشاهد قد يحصلون على 73 إمضاء لتقديم لائحة لوم ضد رئيس الحكومة ولكن ما لم تغير النهضة موقفها فلن تقترب هذه اللائحة من الأغلبية المطلقة وبالتالي يكون تقديمها هزيمة سياسية كبرى لهذا الحلف ..
تهدف «الضغوط» المعنوية المسلطة اليوم على رئيس الدولة سواء من نجله أو من حلفاء نجله الوقتيين بالأساس إلى تغيير، ولو جزئي، في موقف النهضة اثر إعلان رئيس الدولة تموقعه بوضوح في هذه المعركة ضد صاحب القصبة .. وتتداول اليوم على هذه المهمة أطراف هذا التحالف الوقتي مع لوبيات معروفة تريد أن تتخلص من غريم شخصي بهذه المناسبة ..
ولكن داهية قرطاج على علم بكل هذه الحسابات وبأهدافها المعلنة والخفية وانه اختار اليوم النأي بنفسه عن تموقع سياسوي يفقده نهائيا القدرة على لعب دور الحكم الحكيم وعلى المسك بخيوط اللعبة السياسية ..
وضع رئيس الجمهورية معقد للغاية هذه الأيام فإن هو صمت فسيؤول الجميع صمته وفق ما يريدونه وان هو تكلم أيضا وهو في مأزق مأساوي فإما الاستجابة للضغوط العائلية وكذلك للضغوط المتزايدة لاتحاد الشغل أو إيقاف النزيف بصفة جذرية لا انتصارا ليوسف الشاهد بل قطعا نهائيا لطريق وهم «التوريث الديمقراطي» وتحميل مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع من برلمان وحكومة ومنظمات وأحزاب مسؤوليتها أمام تفاقم أزمة لن تخرج منها بلادنا منتصرة ..
الخوف على تونس لا يتعلق بالأساس بمآلات هذه الأزمة المفتوحة على أكثر من احتمال... الخوف هو أن تفقد السياسة ما بقي لها من نبل لتصبح فقط حلبة للّكمات تحت الحزام ..
حافظ قائد السبسي – نور الدين الطبوبي – محسن مرزوق – سليم الرياحي... ماذا يريدون من الباجي قائد السبسي ؟
- بقلم زياد كريشان
- 11:15 22/06/2018
- 3280 عدد المشاهدات
كل المطابخ السياسوية تشتغل هذه الأيام الأخيرة بأقصى سرعة : لقاءات ومشاورات