بمائة نقطة قاعدية كاملة لتنتقل هذه النسبة من %5.75 إلى %6.75 وهي من أعلى النسب المديرية المسجلة في تونس منذ عقود .
وما دفع البنك المركزي إلى هذا الإجراء هو «انشغاله باستمرار بالضغوط التضخمية» والتي بلغت في شهر ماي %7.7 ولكن الخشية الكبرى للبنك هي تواصل ارتفاع التضخم إلى موفى هذه السنة والذي يقدره الخبراء ما بين %9 و%10 ونكون بهذا في حالة دوامة تضخمية بكل ما في الكلمة من معنى ..
ويبدو أن النقاش داخل البنك المركزي كان حول أنجع السبل للحدّ من هذه الدوامة التضخمية وفي كيفية استعمال نسبة الفائدة المديرية لذلك باعتبار أن هذه هي الأداة الرئيسية للتحكم ،ولو نسبيا ،في التضخم ونعلم جيدا أن صندوق النقد الدولي كان يوصي دائما خلال هذه الأشهر الأخيرة بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية حتى يتم الحد من التضخم حيث تثبت الدراسات الخبرية أن الترفيع في هذه الفائدة ينتج عنه بعد حوالي ستة أو تسعة أشهر انخفاض في نسبة التضخم بحكم الحدّ من القروض الاستهلاكية وبما يمثل ذلك من ضغط على الأسعار باتجاه الانخفاض ..
قبل هذه الزيادة الأخيرة كان الفارق بين نسبتي التضخم والفائدة المديرية للبنك المركزي بحوالي 200 نقطة قاعدية (%7.7 للتضخم و%5.75 للفائدة المديرية) والحل التقني الأسرع والأنجع كان يتمثل في وضع الفائدة المديرية في مستوى التضخم أي الترفيع فيها ما بين 150 و200 نقطة مديرية ، ولكن هنالك خشية كبيرة من الانعكاسات السلبية لهذا القرار على تمويل الاقتصاد الوطني وخاصة كلفة القروض بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة أي أن محاربة قوية للتضخم قد ينتج عنها انكماش اقتصادي وهذا ما كان يريد البنك المركزي تجنبه خاصة وأن هنالك بوادر انتعاشة اقتصادية ظهرت بواكيرها في الثلاثي الأول لهذه السنة .
فالزيادة بمائة نقطة قاعدية في نسبة الفائدة المديرية وكأنها حلّ وسط بين الأمرين حلّ يرجى منه التحكم في الدوامة التضخمية وفي نفس الوقت عدم قتل الانتعاشة الاقتصادية وهي في المهد..
ويبدو أن البنك المركزي سيعمد خلال الأيام القادمة إلى الحدّ من ارتفاع كلفة القروض بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر آلية إعادة تمويل البنوك..
ولكن الواضح على كل حال أن كل معطيات ازدياد التضخم متوفرة وخاصة منها الارتفاع
المستمر في الأسواق العالمية لأسعار المواد الأساسية ارتفاع من شأنه أن يتسبب في ما يسمى بالتضخم المستورد كما أن تواصل تراجع الدينار والذي فقد منذ بداية السنة حوالي %4 من قيمته بالنسبة لليورو وللدولار سيؤثر هو الآخر على هذا التضخم المستورد ..
ما يشغل بال إدارة البنك المركزي اليوم هو ارتفاع كل مؤشرات التضخم الظاهرة والخفية وسواء احتسبنا فيه المواد المؤطرة أم لا ومنتجات الطاقة أم لا بمعنى أن التضخم أضحى عندنا هيكليا وهو يتغذى من ضعف العرض (أي الانتاج) ومن تفاقم الاستهلاك ومن تراجع الدينار وارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية ..
والواضح أن مساحة التصرف ضيقة للغاية بالنسبة للبنك المركزي خاصة مع تراجع مخزوننا من العملة الأجنبية ورغبتنا في عدم الخروج من إطار القرض الممدد مع صندوق النقد الدولي ولكن هنالك حلول أخرى غير نقدية للتحكم في التضخم منها تحسين إنتاجية العمل والبحث عن شراكات جديدة مع الجيران أو مع دول ذات طاقات استثمارية ضخمة كالصين الشعبية
لتجنب اللجوء المستمر للاقتراض ولتوفير سيولات هامة تسمح لنا بتحسين شروط تفاوضنا مع صندوق النقد ومن التحكم الأفضل في المكونات الأساسية لاقتصادنا ومن بينها التضخم ..
هنالك إمكانيات واضحة لتحسين كل مؤشراتنا في السنوات القادمة من نمو وتضخم ومديونية وبطالة ولكن شريطة أن نحسن التصرف في هذه الفترة الصعبة للغاية التي تمر بها البلاد .
ولكن أين طبقتنا السياسية من كل هذا ؟ !