ومن بينها ممارسة طقس الصوم بدعة. فقد سبقهم إلى ذلك الفعل الاحتجاجي آخرون طالبوا بالحريات الفردية وبضرورة التزام الدولة باحترام حريّة المعتقد (والتي تشمل أيضا عدم الاعتقاد ). فمنذ سنوات يتجمّع عدد من الشبّان والشابّات في المغرب والجزائر في شهر رمضان للأكل والشرب في الساحات العامة كشكل من أشكال مقاومة القوانين الجائرة التي تجرّم الأكل والشرب والتدخين «العلني» خلال شهر رمضان...وفي كلّ بلد ترفع شعارات مختلفة منها: «الأكل ليس جريمة» ، «الدين لله والوطن للجميع»، ... ومع ذلك تصرّ كلّ الحكومات في البلدان العربية الإسلامية على معاقبة المخالفين للمناشير أو الأوامر أو القوانين أو الشريعة (خطايا مالية، جلد، حبس...) رغم أنّ هذه الحكومات صاحبة «الورع المزعوم» هي نفسها التي تشجّع «قوانين الحسبة» وتجنّد «الشرطة الدينية» ، وفي الوقت ذاته، تتغاضى عن فتح المطاعم في الفنادق الفاخرة.
ولا يذهبنّ في الذهن أنّ غير الملتزمين بأداء طقس الصوم هم الشبّان فقط بل إنّنا نجد الشباب والكهول والشيوخ، والنساء والرجال ومن جميع الطبقات الاجتماعية، وهذا يعني أنّ حواجز السنّ والطبقة والجندر قد سقطت. ومع ذلك ينبغي الاعتراف بأنّ الشبّان هم أقدر على المواجهة العلنية وابتكار أشكال مختلفة للمقاومة في الفضاءات العمومية .فقد شاهدنا في الأيام الأخيرة، فتاة تنشر صورتها في الفايسبوك وهي تحمل قنينة ماء ولافتة تدعو إلى احترام الحريات الفردية، وشاهدنا تقريرا على ما يجري داخل بعض المقاهي ورأي الفتيات والشبّان في الطقوس الدينية وأشكال التديّن، ورأينا «اليوتيوبيين» Youtoubiens يوجّهون رسائل للجماهير...
إنّنا أمام مظاهر وممارسات وخطابات... تؤكّد وجود علامات دالة على التغيير الاجتماعي. فهذه الأصوات المرتفعة تستدعي منّا لا «التكفير» و«التبديع» والإدانة والمعاقبة والوصم (فطاّرة،) بل الإصغاء والتأمّل وتغيير طريقة تفاعلنا مع هذه المطالب. فثمة اختلاف لدى الشبّان على وجه الخصوص، في طريقة الوعي والإدراك والفهم وتصوّر العالم والذات. ولئن كانت الأجيال القديمة تمارس الرياء الاجتماعي ، وتتظاهر بغير ما تؤمن به ، وتحاول إيجاد المبرّرات من داخل المرجعيّة الدينيّة (الفتاوى) أو بالاعتماد على «الاستشارات الطبيّة» فإنّ الأجيال التي انتفعت من مناخ ثوري ومارست حريّة التعبير في مجتمع مفتوح ومعولم تقول ما يجب أن يقال بلا خوف أو رياء أو «ديبلوماسية» ودون اللجوء إلى «العمليات التجميلية»... إنّها تدافع عن مواطنيتها الكاملة مستعملة اللغة القانونية والآليات الديمقراطية فتلجأ إلى محاسبة الدولة على عدم التزامها بما أوردته في الدستور من مواد ضامنة للحريات وخرقها للمبادئ التي جاءت بها منظومة حقوق الإنسان.
هؤلاء المصرّون على المطالبة بحقوقهم ما عادوا يقبلون التمييز، والفرز، والتهميش... إنّهم يرفضون انتهاك الحريات، الفجوة بين النصوص التشريعية والممارسات ، إلزام الناس على التظاهر بغير ما يؤمنون به ،...إنّهم ما عادوا يفكّرون داخل دوائر الحلال/الحرام، الظاهر/الباطن، العلن/السرّ، الخاص/العام،الأغلبية/الأقلية...إنّهم يبنون علاقاتهم مع الدولة على شكل مخالف جوهره «التعاقد/الالتزام/المحاسبة» ويؤسسون علاقاتهم بالآخرين على قاعدة المواطنة والعيش المشترك ... إنّهم يرتّبون علاقتهم بما يؤمنون به على شكل مختلف فالعدل والكرامة والحرية والمساواة ... قيم مثلى لا محيد عنها... إنّهم يعرّفون أنفسهم على شكل مختلف فهم مواطنون وتونسيون . أمّا علاقتهم بالدين فهي لا تتوقّف على طقسانية شكلانية بل هي متنوّعة منهم لادينيون، ومنهم مسلمون يصرّون على أنّ فهمهم للطقوس/العبادات يخضع لاجتهاد عصري يراعي متطلبات الواقع المعيش فهم يعيشون إسلامهم وفق قناعات جديدة وعلى نحو مختلف.
وبدل أن ننتبه إلى هذه المتغيرات ونفكّكها بأدوات فهم جديدة وندرك دلالاتها بعيدا عن منطق الإدانة والتكفير وأساليب مجتمعات المراقبة والضبط والعقاب يصرّ أغلبهم على احتراف اللعن والسبّ والشتم وإخراج الناس من الملّة فذاك أيسر ولا يتطلّب زادا معرفيا متينا...
فلتشتموني ... ولتكفرّوني ... «اللّهم إنّي صائمة» وسأظلّ أدافع عن حق الآخر في عدم الصوم وأقاوم كلّ أشكال انتهاك كرامة و حقوق المختلفين...