تفيد الأرقام التي تحصلنا عليها بصفة حصرية بأن كل مؤشرات السياحة التونسية قد تحسنت مقارنة بالسنة الفارطة وذلك إلى حدود 20 ماي الجاري سواء تعلق الأمر بعدد الوافدين الذي ارتفع إجماليا بـ%21.8 أو المداخيل السياحية التي سجلت نموا هاما بالدينار التونسي (%37.7+) وحتى عندما نأخذ بعين الاعتبار تراجع قيمة عملتنا نرى أن المداخيل قد تحسنت بـ%15.5 لو حسبناها كلها باليورو و%31.8 لو حسبناها بالدولار كما أن عدد الليالي قد تطور بدوره بـ%24..
ولعل العنصر الايجابي الهام في هذه المعطيات المحينة إلى حدود يوم 20 ماي هو النمو الكبير في الأسواق الأوروبية على غرار السوق الفرنسية (%45+) والألمانية (%42.4+) والروسية (+ %46.5) والتأكيد على السوق الأوروبية مهم جدا لأنها بالأساس سياحة نزل ومداخيلها علاوة على توفيرها لعملة أجنبية وضرورية لميزان الدفوعات ولكنها أيضا مداخيل تضخ بصفة شبه كلية في الاقتصاد المنظم خلافا للسياحة المغاربية والتي تمثل %57.5 من مجموع الوافدين ولكنها سياحة لا تعيش بالأساس في النزل فعلى سبيل المثال نسجل عدد ليالي مقضاة من قبل السياح الألمان أكثر مما نسجله من قبل السياح الجزائريين رغم أن عدد إخواننا الجزائريين يفوق الألمان بأكثر من 13 مرة.. فمعدل الليالي المقضاة للسائح الألماني الواحد هو 8.4 بينما ينزل هذا المعدل الى 0.6 عند الجزائري.. هذا لا يعني أن الألماني يستهلك ، ضرورة، أكثر من الجزائري أو المغاربي ولكن جزءا هاما من مداخيل السياحة المغاربية لا نجد له أثرا في الاقتصاد المنظم وخاصة في ما يتعلق بالسكن ..
لقد نمت الأسواق الأوروبية بصفة هامة في بداية هذه السنة ولكن لا تتجاوز نسبة كل الجنسيات الأوروبية مجتمعة %21 من مجموع الوافدين على بلادنا في حين أن هذه النسبة كانت تقارب %60 في نهاية العشرية الفارطة ..
ويكفي أن نقارن بين عدد الليالي المقضاة الإجمالية لسنة 2018 على امتداد حوالي خمسة أشهر وبين نظيرتها في سنة 2009 لنجد أن الليالي المقضاة لغير المقيمين في هذه السنة دون ثلث ما كنا ننجزه في 2009 (2631.325 إلى حدود 20 ماي 2018 مقابل 9660604 إلى موفى شهر ماي في 2009) وحتى عندما نقارن كل مؤشرات 2018 نجدها مازالت دون ما كان يتحقق في تونس سنة 2014..
وما نستنتجه من كل هذا هو أن بلادنا بصدد التعافي التدريجي من مخلفات الضربات الإرهابية التي استهدفت السياح الأجانب في سنة 2015 وأن 2017 كانت أفضل من سابقتها وكذا الحال بالنسبة لهذه السنة ولكن أرقام الوافدين على البلاد ينبغي ألا تغالطنا بدءا لأنه أصبح يحشر فيها منذ سنة 2016 التونسيون المقيمون بالخارج وثانيا لأن هيكلة الديمغرافية السياحية التونسية قد تغيرت بصفة جذرية إذ أصبح المغاربة يحتلون فيها نصيب الأسد وكما أسلفنا فإن السياحة المغاربية مفيدة ولاشك للبلاد ولكنها بالأساس ليست سياحة نزل أي أن هذا القطاع الحيوي لاقتصاد البلاد مازال بعيدا عن استعادة أرقامه العادية لا فقط قبل الثورة ولكن كذلك قبل سنة 2015..
ولاشك بأن جهودا كثيرة قد بذلت من قبل وزارة السياحة ومن قبل المهنيين للحدّ من خسائر أسواقنا التقليدية ولكن لعلّنا لم نبذل خلال هذه السنوات الماضية الجهد الضروري للرفع من قيمة منتوجنا السياحي ولم نعصّر اغلب وحداتنا السياحية كما أننا لم نفكر بعد في كل المناخات الحافة بالسياحة من نقل وفنون ورحلات استكشافية لتراثنا المادي واللامادي أي أننا لم نفكر سويا في جعل بلادنا بلادا سياحية بكل أبعاد الكلمة لا فقط داخل النزل والفضاءات السياحية المخصوصة وهذا ضروري ولكن داخل كامل تراب الجمهورية ..
لاشك بأنه ينبغي علينا بذل جهد مضاعف لكي تستعيد الوجهة التونسية جاذبيتها السابقة قبل الضربات الإرهابية لسنة 2015 ولكن الوقت مناسب فيما نعتقد للتفكير العميق في إستراتيجية وطنية شاملة تسمح لنا بتوظيف أفضل لكل موروثنا المادي واللامادي وكذلك لكل انتاجنا الحرفي والثقافي في علاقة شراكة رابحة بين السياحة الفندقية ومختلف أوجه النشاط الفني والاقتصادي والحرفي في البلاد .. إذ لو قصرنا نظرنا فقط على المدى القصير فقد نواصل في تحسين بعض المؤشرات ولكننا لن نحقق تلك القفزة النوعية التي كان يمني بها النفس كل مهنييي السياحة منذ عقدين على الأقل ..