من أجل السلام كمصر والأردن... وهو أمر متوقع بعد بروز خطط جديدة لـ«ترامب» من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط واكتفاءُ أغلب الدول العربية الأخرى بالتنديد... وهو تقليد معروف دأبت عليه منذ القدم.
أمّا غير المعهود فيتمثّل في ظهور سفراء عرب ووزراء وغيرهم من المواطنين الذين يعلنون في وسائل الإعلام بدون أدنى خجل أو حرج، عن مساندتهم الكلية لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها... وهو أمر غير مألوف يصدم الضمير الجمعي العالمي.
وفي المقابل: أعضاء في الكنيست والبرلمان الإسرائيلي وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان اليهود يتظاهرون تنديدا بفتح السفارة الأمريكية في القدس وتهويد القدس... يهود أمريكيون يتظاهرون ويضمون صوتهم إلى كل المتظاهرين في أنحاء العالم.. وأعضاء في البرلمانات يشرحون الاعتداءات على غزّة ويطالبون بفتح التحقيق المستقل بل أكثر من ذلك
طالبت Emily Thornberry العضوة في البرلمان البريطاني بانهاء الاحتلال الإسرائيلي.
أمّا جنوب إفريقيا فقد قررت سحب سفيرها من إسرائيل ولم تتخلف تركيا وايرلاندا عن إبداء مواقفهما فقد أعلنتا عن مساندتهما الكلية لحق الفلسطينيين في العيش.
وهكذا تهاوت أنساق التبرير التي يعتمدها المدافعون عن السياسات الإسرائيلية (حماس تحرض الناس على استعمال العنف، الإرهابيون، المحتجون يستعملون العنف، اقتحام الحدود...) وذلك بعد أن أدلى الإعلاميون والناشطون الحقوقيون بشهاداتهم. فالجيش الإسرائيلي استهدف المدنيين العزّل وأغلبهم من اليافعين والأطفال والنساء الذين كانوا يتظاهرون سلميا وهي ممارسات تؤكد انتهاكات حقوق الإنسان.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقد طالب عدد من أصحاب الضمائر الحية بمساءلة إسرائيل ومحاسبتها من أجل إقامة العدل والدفاع عن حقوق الضحايا، بل ارتفعت الأصوات المنددة بسياسات «ترامب» «الفاشية» التي ستجر العالم إلى حرب عالمية جديدة. وهي سياسات لا تتوانى عن التلاعب بالقوانين وترويج الأكاذيب و«هرسلة» من يرفضون الخضوع من أجل فرض الهيمنة على الجميع فبعد كوبا وفينزويلا وإيران سيأتي الدور على الجزائر. يقول الأمريكي Paul Craig Roberts المتخصص في علم الاقتصاد: «أضحت الولايات المتحدة الأمريكية مافيا عالمية تروج الأكاذيب والفساد والحروب والبؤس في العالم مبررة السرقة والنهب والقتل في صلب المؤسسات».
أهمّ تحوّل في المواقف التي عبر عنها أصحابها إن كانوا ممثلين لهيئات رسمية أم لا هو تسمية الأشياء بمسمياتها .فالمحتجون هم أناس لا ينتمون إلى أية جهة سياسية حتى وإن أصر البعض على إظهارهم في صورة المناصرين لحماس كما أنّهم متظاهرون سلميون وعزّل، ثمّ إنّ الاحتجاجات لا تختزل في التنديد بفتح السفارة الأمريكية بل هي تذكير بالنكبة التي جعلت
الفلسطينيين على الهامش، بلا حقوق. يضاف إلى ذلك أنّ إسرائيل هي التي لا تعترف بالحقوق الطبيعية للفلسطينيين وأهمها الحق في الحياة والحرية. ومما لاشك فيه أنّ مطالبة الفلسطينيين منذ حقب تاريخية طويلة، بحقهم في العيش والحرية والتمتع بالسيادة الوطنية لا يمكن أن يواجه بسياسات متعجرفة تقول لك «خذ ما نعطيك إياه واصمت: لا حق لك في التفاوض»...
بعد النسيان والعمى والصمت واللامبالاة والتلاعب الإعلامي بالحقائق... يصحو الضمير الإنساني ليعبّر عن مجموعة من الحقائق فالفلسطينيون: رجال ونساء وأطفال اجتمعوا بطريقة مدنية وقرروا الموت من أجل الحرية وضمان حق الآخرين في الحياة ... لا خيار أمامهم وليس لديهم ما يخسرونه... لا أرض ولا عمل ولا مستقبل... ثمّ إنّهم بشر وليسوا أدوات بيد السياسيين... إنهم بشر وليسوا أرقاما في معادلة سياسية من أجل فرض الهيمنة ...
ولعلّ أبلغ ما قيل هو أننا نشهد اليوم أكبر عملية تجريد للفلسطينيين من إنسانيتهم والتعامل معهم على أساس أنهم مجرد أرقام ...