«وثائق بنما» والتي اتفق دوليا بشأن نشرها في أبعادها العامة وكذلك في مستوياتها الوطنية قد خرجت من عالم الصحافة ودخلت أحيانا عالم القضاء إن لم يكن قد حفّ بها النسيان بتعاقب الأحداث والفضائح..
في تونس دخلنا الحلقة الثالثة لهذا المسلسل الذي لا نعلم تاريخ نهايته الإعلامية.. وشاءت حلقاته أن تلعب على عنصر التشويق وأن تتحوّل شخوص الإثارة فيها من تيار إلى آخر.. بدأنا بمحسن مرزوق وبرسائله الالكترونية المفترضة وما حام حول صدقيتها في انتظار أن يحسم فيها القضاء ثم «ترتيحة» مع أحد المرشحين الثواني للانتخابات الرئاسية 2014 المحامي سمير العبدلي وجاءت الحلقة الثالثة بمفاجأة من العيار الثقيل، على مستوى الأسماء الواردة، بداية من لطفي زيتون مستشار رئيس حركة النهضة فرفيق عبد السلام الوزير الصهر في حكومة حمادي الجبالي فاسم رئيس الحركة ذاته.. وكل ذلك في علاقة، أحيانا غير واضحة، مع محور القضية قناة TNN والشركة المنتجة لها وشركة أنشئت سنة تحت نفس المسمي في الجزر العذراء لقد سعي تحقيق «انكيفادا» إلى تبيان العلاقات المالية والشخصية الخفية التي كانت سائدة في المهجر بالنسبة للحركة الاسلامية ولاسيما في أنقلترا.. ولكن الواضح أن هذه الاشارات لا تفيد حقائق قاطعة يمكن الاطمئنان إليها رغم أن هنالك العديد من المناطق الغامضة لتمويل الحركة الاسلامية ذلك أن الأخطبوط المالي لأفرادها وهياكلها لم يكشف بعد بالشفافية المطلوبة (انظر مقال حسان العيادي).
ولكن الأساسي ليس ما كشف في موقع «انكيفادا» والمتعلق بالروابط المالية بين لطفي زيتون وتلفزة TNN – ولا شيء يفيد ظاهريا على الأقل بأننا أمام عملية غير قانونية - بل هو هشاشة جزء من الطبقة السياسية وانتهازيتها الساذجة.. وإلا فكيف نفسّر أن يتحول موقع «انكيفادا» من كاشف للحقيقة في الحلقة الأولى (محسن مرزوق) بل لقد اعتبر رئيس النهضة في ذكرى الشهداء بأننا أمام تحوّل عميق في الحياة السياسية ثم أصبح نفس الموقع ونفس الملف «وثائق بنما» موقع «مفتري» وأن هنالك «نية مبيتة للإساءة» وإدانة «الخلط الفاضح تحت شعار الاستقصاء بين «وثائق بنما»، والمناشط الشفافة للمهجرين التونسيين الذين عاشوا محنة النفي القسري»..
هنا وقبل أن تطلب حركة النهضة من وسائل الإعلام الشريفة «إدانة» هذا السلوك المشين، وكشف أصحابه ومن يحركهم كان عليها ألا تتصيّد بمثل ذلك التسرّع ما اعتبرته ضربة لأحد خصومها والحال أن المعني بالأمر، محسن مرزوق، قد نفى ذلك جملة وتفصيلا وقاضى الموقع كذلك...
فالمواقف الأخلاقية لا معنى لها إن هي تلونت حسب المنتفع والمتضرر الوقتيين..
لقد سبق وأن قلنا بأنه لا ينبغي أن ننتظر العجب العجاب من تحقيقات «وثائق بنما» لأن تداخل المال مع السياسة مسألة جل عناصرها متوفر أمام أنظار الجميع ونحن لا.....