العزوف عن التصويت: هو الاختيار (اللااختيار) الأسوأ !!

تفصلنا اليوم سويعات معدودات عن يوم التصويت والذهاب إلى صندوق الاقتراع

لاختيار أول مجالس بلدية منتخبة ديمقراطيا في تاريخ البلاد .. مجالس ستكون اللبنة الأولى في صرح طموح أطلقنا عليه اسم «الحكم المحلي» في الباب السابع من الدستور ..

اليوم لا تساورنا شكوك في نجاح بلادنا في انجاز هذا الموعد الهام لا أمنيا ولا لوجيستيا كما أن زمن تزييف إرادة الناخبين قد ولى بلا رجعة.. قد يصاحب يوم التصويت بعض التجاوزات هنا وهناك ولكن جوهر العملية الانتخابية أضحى مؤمنّا في بلادنا ..

هنالك خطر وحيد يهدد هذا المسار وهذا الانجاز وهو احتمال عزوف مرتفع للتونسيات والتونسيين .. وضد هذا الخطر المحتمل لابد من التجند إلى الأقصى لان العزوف عن التصويت هو آفة الديمقراطية الكبرى ..

اليوم السبت 5 ماي هو يوم الصمت الانتخابي وهذا تقليد جار به العمل في جلّ ديمقراطيات العالم والمقصود به أن يتفرغ المواطن / الناخب يوما كاملا قبل التصويت إلى التفكير في تقرير اختياره الأخير بعدما استمع وشاهد واطلع على برامج المترشحين لاستحقاق انتخابي ما ..
وعادة ما يكون هذا اليوم فرصة مواتية للمواطنين داخل عائلاتهم وأحبائهم لتبادل الرأي والنصح المتبادل واستكمال المعلومات حول القائمات والأشخاص والبرامج وعادة ما يحسم المترددون أمرهم في هذا اليوم بالذات وعادة ما تتغير بعض التوازنات بحكم ميل هؤلاء المترددين إلى هذا الفريق أو ذاك..
ولقد شهدت بلادنا أوضاعا مشابهة تماما في انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 والتشريعية والرئاسية في 2014 والمؤمل أن يكون الوضع كذلك في بلديات 2018..

ولكن نغالط أنفسنا لو لم ندرك الفرق في الحماس للتصويت في هذه الأمتار الأخيرة قبل يوم الاقتراع ..وهنا من واجب الجميع تبيان حقيقة بسيطة لمواطنينا : العزوف عن التصويت هو أسوأ اختيار ممكن بل هو عدم اختيار بل هو العدم ذاته. وان ديمقراطيتنا الغضّة ومسارنا الانتقالي المتعثر أحيانا يحتاجان بصفة حيوية إلى جرعة كبيرة من المشاركة في العملية الانتخابية لان الصندوق هو الحصن الأول والأخير للديمقراطية وهذا الحصن يفقد كثيرا من قدرته المناعية عندما لا يكون ممتلئا بأصوات الناخبات والناخبين ..
قد يجد الفرد منّا ألف عذر لعدم الذهاب إلى مكاتب الاقتراع غدا ولكن كل هذه الأعذار واهية ،وكلّها لا تصمد أمام التفكير الهادئ في مصلحة البلاد والعباد ..

قد يقول بعضهم لقد صوتنا في 2011 و2014 ولم يتغير شيء ويقول آخرون أن من انتخبناهم لم يلتزموا بعهودهم .. نسمع هذه التبريرات هنا وهناك وينبغي علينا جميعا أن ننصت لها ولكن ينبغي أن نقاوم «الكسل الذهني» في البلاد.. فالديمقراطية لا تتأسس في انتخاب أو في دورات انتخابية محدودة وهي لا تتأسس في عقد او عقدين وهي كذلك ليست مسؤولية الأحزاب والمترشحين والنخب السياسية فحسب فهي مسؤولية الجميع. والديمقراطية مسار طويل فيه عثرات وزلات وأحيانا تراجعات وانعكاسات وقد تفشل الديمقراطية كذلك وتترك مكانها لأشكال شتى من الحكم التسلطي أو الاستبداد أو حتى الكلياني ،وفشل الديمقراطية يعود إلى غياب الدفاع الجماعي عنها والى تبخيسها وتحميلها أخطاء الساسة والنخب ..
الديمقراطية لا تنتصر ولا تؤدي إلى الرخاء المشترك والحكم الرشيد إلا متى دافع عنها جلّ المواطنين بالغالي والنفيس وصبروا وصابروا عليها حتى لا يقوم بأعباء التسيير إلا من هو أهل لذلك فتتم غربلة الطبقة السياسية بين انتخابات وأخرى ويتم تجديد دمائها بتجديد القيادات والمناهج والأفكار ووسائل العمل ولكن هذا كله لا ينجز إلا في بيئة ديمقراطية وفي

التداول السلمي على السلطة وفي مناخ من الحريات الفعلية والتعددية الواسعة حتى نضمن يقظة مواطنية عامة تترجمها وسائل الإعلام وجمعيات المجتمع المدني ..

لا نعتقد أن هنالك تونسيا واحدا لا يريد أن يتم تشريكه في اخذ القرارات المصيرية التي تهم بلاده او محيط حياته المباشر ،وإن كان صحيحا أن التشريك لا يقتصر فقط على الاقتراع بل هو مسار عام يبدأ مع الاقتراع ولا ينتهي عنده ولكن دون اقتراع لا مجال للتشاركية ولتحمل المسؤولية المتبادل بين المواطن والمسؤول ..
قد نتفهم حيرة بعض المواطنين الذين لا يجدون ما يعتبرونه الاختيار الأفضل في دائرتهم المخصوصة او لم يتمكنوا من حسم أمرهم ولكن اختيارا منقوصا أفضل بكثير من اللاختيار ومن العزوف..
الديمقراطية ليست نظاما مثاليا ولكنها تبقى أفضل النظم السياسية بإطلاق والديمقراطية الانتخابية فيها نواقص عديدة أيضا ولكن لم تخترع البشرية إلى الآن آلية أفضل من هذه ..
التصويت يوم الأحد ليس عملية شكلية بل هو لبنة أساسية في بناء تونس الديمقراطية المزدهرة .. وبقدر حجم التصويت يكون حجم البناء ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115