أنه سيأتي يوم يحتاج فيه مكتب المجلس إلى مدونة سلوك للأعضاء المشرعين للقوانين الّذين يطرحون أنفسهم واضعين لضوابط تحكم البلاد والعباد.
كما لم يكن ينتظر المتابعون لجلسات مجلس نواب الشعب، أن يشاهدوا ويسمعوا تحت قبّة باردو ما يمكن سماعه في أي موضع عام آخر ، بل ما لا يجوز سماعه في أي موضع آخر، باعتبار أنه يمكن تطبيق العديد من النصوص القانونية على المواطنين ولا يمكن تطبيقها على نواب الشعب ، الّذين يتمتعون بالحرية «المطلقة» في التعبير عن آرائهم.
لذلك صُدم الرأي العام ممّا يصدر عن بعض نواب الشعب من عنف لفظي ومن معاينة أكثر من حالة خروج عن اللّياقة وانخراط في البذاءة أحيانا. ووقف الغيور عن الديمقراطية الناشئة في تونس مشدوها ممّا يحصل ، دون أن يجرؤ على الدعوة إلى تشريع نصوص داخلية رادعة للنواب الّذين يتجاوزون حدود التعبير عن الرأي، لينساقوا وراء لهجة التهديد والوعيد.
فأمر الانضباط و الحفاظ على النظام نظمه القانون الداخلي لمجلس نواب الشعب ومنح رئيس الجلسة إمكانية التنبيه على النائب إذا صدرت منه تصرفات مهينة للمجلس أو لرئيس الجلسة ، أو في صورة عدم الإمتثال للإجراءات المتخذة في شأنه بشكل يؤدّي إلى عرقلة عمل المجلس أو استخدام أي شكل من أشكال العنف المادي ، أو صدر منه تهديد أو ثلب أو شتم نحو عضو أو أكثر من أعضاء المجلس . و لكن ضبط القانون الإجراء الّذي يمكن اتخاذه ضد المخالف ، بما لا يتجاوز في كل الأحوال سحب الكلمة من النّائب أو منعه من أخذ الكلمة دون حرمانه من حق التصويت .
فالمسألة ليست بالسهولة بمكان كي يقع الإحتكام فيها لضوابط قانونية آمرة واجبة التطبيق ، لما يتميّز به المجلس من هيبة ورفعة في مختلف الأنظمة القانونية ، هذا من ناحية و من ناحية أخرى، لصعوبة التمييز بين المواقف الّتي تكون في نطاق حرية الرأي والتعبير ،وبين غيرها من المواقف والتصريحات الّتي تتمتّع فيها الأغلبية والأقليات البرلمانية بنوع من الحصانة المفترضة ،و لو «خرجت عن الموضوع» كما يقال.
خطوط التماس بين المقبول وغير المقبول، وبين الحق في إبداء الرأي والتعبير، والتعسف في استعمال هذا الحق، تدفع إلى البحث عن وسيلة اعتبارية تضع النواب أو رؤساء الكتل أمام مسؤولياتهم و ذلك عبر مدونة سلوك داخلية شبيهة بقوانين أخلاقيات بعض المهن، تضع جملة من الضوابط الأخلاقية في التعامل و التخاطب بين النواب، و في حكم الانضباط في الجلسات العامّة.
فعلى النّائب الذي يتكلّم باسم الشعب أن يكون مثالا للأفراد و قدوة لمن يمثّلهم ، لأن في تهديده أو تحريضه أو شتمه أو ثلبه أو تعديه على رئيس الجلسة أو تجاوزه للتقاليد والأعراف و القوانين ، تشريعا لتلك الأفعال وتشجيعا لعامّة الناس على إتيانها. ويجب أن يكون مجلس نواب الشعب مدرسة للممارسة الديمقراطية وللأخلاق الرفيعة و فضاء للتدرب على ضبط النفس و الأخذ بأبجديات السياسة والتعامل الحضاري والنزاهة والتقيّد بالقيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة .
إن ما يُؤسف له، أن الصور الّتي تُنقل لا تريح و تحدث ضغطا على نفس المتابع وتساهم في الإحباط ،و تنفّر من المشاركة في الشأن العام، ولا نملك إزاء ذلك غير التذكير بقولة الشاعر:
«و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»