في آخر منعرج في طريق الأزمة: الشاهد يرمي بجميع أوراقه ...

قلنا في إفتتاحية أمس الخميس 22 مارس 2018 أن الحكومة

«تقفز من شأن إلى آخر ، و تلجأ إلى الإعلان عن حلول اضطرارية تعرف مسبقا أنها غير قادرة على تحقيقها ، فتختار التأجيل على أمل نزول منّة من السماء ...».
وتدخل الشاهد أمس أمام مجلس نواب الشعب، أكّد هذا القول ، و لكن بدا أنّه حزم أمره ، وأراد أن يغيّر جزئيا في لهجة خطابه ليُظهر «عزما» في تناول الإشكاليات المطروحة أمام حكومته في هذه الظروف الصعبة ، واصفا المراهنين على الصراع بين الحكومة والمركزية النقابية و الساعين إلى إفشال الإنتخابات البلدية أو فشل المفاوضات مع المؤسسّات المالية ، بالواهمين.

هذا الخطاب جاء بعد لقاء للشاهد برئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي ، و قد يكون هذا اللّقاء هو الّذي أعطى لهجة الخطاب نوعا من «الحزم» يوحي بدعم السيد محمّد الباجي قائد السبسي لرئيس الحكومة و إسداء نصحه و توصياته في المقاربة الّتي يجب توخيها في مواجهة ما وصف بحملة «تشكيك» في ضيق أفق ومستقبل الحكومة الحالية .
هذا الدعم الّذي يمكن أن نستشفّه من لقاء آخر للسيد نورالدّين الطبوبي برئيس الجمهورية يوم أمس 23 مارس 2018 الّذي تناول الوضع الإقتصادي والإجتماعي و تحديد الأولويات للمرحلة القادمة لتقديم إشارات ايجابية للشعب حسب تعبير السيد الطبوبي ، الذي أشار لوجود تقارب في وجهات النظر ملاحظا أن هناك مسؤولية جماعية لإيجاد الحلول والبدائل لكل الهنات لتسير تونس في المسار الصحيح .

لقد تضمن خطاب الشاهد منهجية «نوايا الإصلاحات» الّتي ستتوخاها حكومته في المرحلة المقبلة في إطار تشاوري مع الشركاء الإجتماعيين و الأحزاب والمنظمات. و قد تمّ التركيز على النقاط الخلافية، بخصوص الخوصصة و عجز الصناديق الإجتماعية و الموقف مما اتخذه ممثلو أساتذة التعليم الثانوي .
ولئن وجه رسائل للمعارضين لسياسة حكومته و للذين يشكّكون في جهوده بغاية وقف حربه على الفساد أو إفشال الإنتخابات البلدية ، فإنه تجنّب ذكر أطراف بصورة صريحة ، مع التأكيد ضمنيا أنه سيبقى على رأس الحكومة ليواصل تطبيق منهجيته لتجاوز الإشكاليات والصعوبات .

هذا الخطاب الّذي جاء على لسان الشاهد بلهجة «المطمئـنّ» على مستقبله القريب ، وبكونه لن يكون «شاهد زور» وبالتأكيد على إفشال مساعي المراهنة على الصراع بين الحكومة والإتحاد ، لا نلمس صداه في ردود فعل المركزية النقابية، خاصة بقول الطبوبي بأن «الاتحاد لا يقوده أحد.. و الإتحاد هو القاطرة الّتي تقود» وبأن عدم الوجود في موقع شاهد زور لا «تكون بالكلام و إنّما بالأفعال»، توحي ، بأن موقف الإتحاد من سياسة الشاهد لم يتغيّر في مضمونه،لإعتباره بأن تونس لا تسير في المسار الصحيح ،و هو ما يؤكّد أن «لهجة الحزم» لم تقنع ، و أن إعادة المياه إلى مجاريها تتطلب مجهودات كبيرة وخاصة إجراءات عملية جادة تحوّل النوايا إلى تنفيذ جاد لهذه التعهدات الجديدة في أسرع وقت ممكن، لتسير تونس في المسار الصحيح.

و لكن يطرح التساؤل إن بقي للحكومة هامش جاد و فعلي ، للتعجيل بإتخاذ إجراءات جريئة للقيام بالإصلاحات المتأكدة في نطاق الأولويات الّتي يقترحها الإتحاد العام التونسي للشغل، و ذلك ليس في نطاق المطالب النقابية فقط ، و إنّما في نطاق التوجهات الإجتماعية و الاقتصادية والسياسية أيضا.
إن لهجة «الصراحة» الّتي سبق للشاهد أن توخاها، ولهجة «العزم» التي أراد استعمالها في خطابه الأخير أمام مجلس نواب الشعب ،للطمأنة على سلامة منهجيته لتجاوز الأزمة الخانقة الّتي تعيشها البلاد ، تقتضي توّفر الرصيد الّذي يمكّن من التطبيق الفعلي للوعود، و إقناع الأطراف الإجتماعية والسياسية بإمكانية توفير هذا الرصيد .
وحتى إن قلنا أن هذا الأمر مستحيل، يمكن أن نجزم أن الأمر صعب للغاية ويتطلـب شبـه معـجزة ، لأن هـذا العزم La détermination ، في غير الوقت الّذي كان يجب أن يكون فيه ، و يبقى الأمل قائما في كل الأحوال، و يبقى التفاؤل كذلك ،محبّذا لتغيير الحال .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115