أزمة اصطف فيها كل ضلعين مع بعضهما البعض فأصبح لدينا رئاستان (الجمهورية والحكومة) ومنظمتان (اتحاد الشغل واتحاد الأعراف ) وحزبان (النداء والنهضة ) واشتغل التضامن والتآزر بين طرفي كل ثنائي رغم الخلافات الظاهرة والخفية بينهما ولكن قد يكون الخلاف، بل الصراع ،الجديد البارز في الأسابيع والأشهر القادمة هو الخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة وحركة النهضة من جهة ثانية ..
الواضح اليوم هو انقطاع حبل الثقة بين حكومة يوسف الشاهد والمنظمتين الاجتماعيتين القويتين واللتين اتفقتا لأسباب قد تكون مختلفة ، على إخفاق منظومة الحكم وعلى ضعف كفاءتها والذي لا يقال احيانا بالوضوح التام هو أن أهم كفاءات البلاد توجد خارج القيادات الحزبية للنهضة والنداء وأنها غير مستعدة للخضوع للمحاصصات الحزبية في التعيينات ..
وهكذا يكون التشكيك في جملة من متقلدي الحقائب الوزارية أو المسؤوليات الحكومية المختلفة إنما هو في نهاية الأمر تشكيك في كفاءة المسؤولين الندائيين والنهضويين. ويتحول هكذا الخلاف المعلن بين المنظمتين الاجتماعيتين والحكومة إلى خلاف أعمق ولكنه مخفي إلى حد ما بين هاتين المنظمتين وبين الحزبين الحاكمين اليوم في تونس ..
ثم إذا ما أضفنا بان القائمة النقابية غير الرسمية المتداولة اليوم والتي تتحدث عن المسؤولين الواجب تغييرهم نجد فيها الأسماء النهضوية الهامة في حكومة الشاهد وعلى رأسها زياد العذاري الأمين العام للحركة الإسلامية ووزير التنمية وهكذا فهمت حركة النهضة بأن هناك «استهدافا» ما لابرز قياداتها وان المطالبة بـ «ضخ دماء جديدة» يقصد به بالأساس إضعاف الحركة الإسلامية قبيل الانتخابات البلدية ..
وهكذا يتضح أن هنالك صراعا جوهريا بين الحركة النقابية والحركة الإسلامية عنوانه اليوم ضرورة تغيير جزئي أو كلي لحكومة الشاهد صراع مرشح لاتخاذ أشكال أوضح وأقوى في الأسابيع والأشهر القادمة ..
السياسة في تونس – وفي كل دول العالم – لا تبنى فقط على التقديرات الظرفية للأصدقاء والخصوم بل تبنى أساسا على الصداقات أو الخصومات الإستراتيجية. ورغم طغيان خطاب الوفاق على الساحة السياسية منذ الحوار الوطني ورغم التعديل الهام في خطاب النهضة وفي تحالفاتها انطلاقا من 2014.. تعديل تعمق مع فوز الباجي قائد السبسي والنداء في الانتخابات العامة في خريف 2014 وتحول بعدها إلى توافق ثنائي بل وكاد أن يتحول إلى تحالف استراتيجي لو لا تبيان زيفه العملي على الميدان في الانتخابات الجزئية في دائرة ألمانيا في ديسمبر الماضي .. رغم كل هذا فهنالك ماض من الصراع بين الحركة الإسلامية واهم مكونات المشهد النقابي يعود إلى سبعينات القرن الماضي ..صراع تعمق مع بدايات حكم الترويكا وتهجم الاسلامويين على المنظمة النقابية سياسيا ومحاولة الاعتداء عليها ميدانيا، وما رمي القمامة أمام مقرات الاتحاد ببعيد وما هجوم ميليشيات حماية الثورة المحمية آنذاك من النهضة ومن حزب المؤتمر على المقر المركزي للاتحاد وفي الذكرى الستين لاغتيال الزعيم فرحات حشاد يوم 4 ديسمبر 2012.. ما كل هذا عنّا ببعيد ..ولا يعتقد احد أن بعض الابتسامات من اجل الصور التذكارية ستمحو من الذاكرة كل هذا التاريخ من الصراع..
ولكن هذا الماضي ليس كافيا لوحده لتفسير التوجس المتبادل بين المنظمة الشغيلة وحركة النهضة بل هنالك تحليل يبدو انه مشترك بين الإسلاميين والنقابيين مفاده بأن هنالك قوتين فقط مهيكلتين بصفة جدية في تونس : الحركة النقابية والحركة الإسلامية خاصة بعد أن اثبت النداء ضعفه الهيكلي وذلك بغض النظر عن وزنه الانتخابي الحالي أو المستقبلي ..
صحيح ان المركزية النقابية والنهضة لا تلعبان في نفس الميدان اذ لا يعتقد احد انه بإمكان المنظمة الشغيلة أن تتحول إلى رقم انتخابي بالمعنى الدقيق والمباشر للكلمة ولكن لاتحاد الشغل القدرة على إضعاف او حتى إسقاط أية حكومة ولو حظيت بأغلبية في الصندوق وهذا ما يخيف كثيرا الحركة الإسلامية والتي خبرت هذا في 2013 حيث اضطرت حكومة علي العريض الى الاستقالة رغم رفضها المطلق لها في البداية..
فالسيناريو المرعب للحركة الإسلامية هو أن تجد نفسها من جديد وجها لوجه مع الحركة النقابية وان تتكتل مع هذه الأخيرة جل النخب الفكرية والمدنية بالإضافة إلى هذا اللاعب الجديد / القديم والذي يعبر الآن عن مساندته المطلقة لاتحاد الشغل ضد ما يمكن أن نسميه بضعف الأداء الحكومي للقيادات الحزبية ونقصد به بالطبع اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وهو طرف يحسب له ألف حساب في استقرار أو فشل كل منظومة حكم حالية أو مستقبلية ..
اليوم تسعى حركة النهضة إلى عكس الهجوم بصفة محدودة ومحتشمة بتأكيدها في بيانها الأخير على ضرورة استقرار العمل الحكومي وعدم التشويش على الانتخابات البلدية ..اي ان الصندوق هو وحده مصدر الشرعية للحكومات وانه إن كان من الضروري أن يحصل تغيير في تركيبة الحكومة فذلك لن يكون إلا وفق التوازن الذي أنتجته الانتخابات العامة في 2014.. توازن لن تغيره إلا الانتخابات العامة القادمة في نهاية 2019..
هذه جولة من الصراع النقابي النهضوي ..والأكيد أن الجولات القادمة ستكون أكثر حدة هذا بالطبع لو أرادت النهضة الخروج من المواقع الخلفية..أما لو اكتفت بها فستكون الجولات القادمة خافتة إلى حين ..