الحزبية ،رغم سبع سنوات من النشاط الحرّ والمفتوح لجميعها ..
يكفي أن نعلم بأن حزبين ،النداء والنهضة ،فقط قد أعلنا نيتهما الترشح في كل الدوائر البلدية (350 بلدية) لنعلم أنّنا مازلنا نفتقد لتنظيمات سياسية لديها الحضور الشعبي الأدنى الذي يسمح لها بلعب الأدوار الأولى في الحياة السياسية وبأن تمثل بدائل جدية للأغلبية الحاكمة اليوم..
وما يزيد في هذه المفارقة هو وجود الحزبين اللذين لديهما الحضور الجماهيري الأدنى مع بعضهما في الأغلبية الحاكمة وافتقاد المعارضة – لحدّ الآن – إلى حزب بمثل هذا الثقل ..
لو عدنا إلى نتائج الانتخابات العامة في 2011 و2014 لوجدنا بأن حزبين فقط حصلا على نتائج هامة وهما النهضة بـ%37 من الأصوات في 2011 و%27 في 2014 والنداء بـ%38 في 2014
وحتى الأحزاب الثلاثة التي تجاوزت عتبة %5 في 2011 (المؤتمر بـ%8.5 والعريضة بـ%6.9 والتكتل بـ%6.8) قد تبخرت كلها في 2014 وحصل أهمها ،المؤتمر، على %2 فقط بالإضافة إلى عدم تجاوز كل الأحزاب الأخرى هذه العتبة البسيطة (%5) في 2014..
لسنا ندري هل ستأتي الانتخابات البلدية بالجديد وهل سنجد حزبا أو أكثر قادرا على لعب الأدوار الأولى ،ولكن كل عمليات سبر الآراء لمختلف المؤسسات بالإضافة إلى المعطيات الميدانية تفيد بأننا لم نتمكن بعد من كسر هذه الوضعية ..
قد نكون أمام وضعية انتقالية عادية فجلّ هذه الأحزاب مازالت حديثة عهد بالعمل السياسي ولكن الغريب هو كثرة «الزعامات» داخل هذه الأحزاب بالذات وطموح العديدين من مؤسسيها إلى حكم البلاد في حين أنهم يدركون قبل غيرهم بأن أحزابهم لا تملك الحدّ الأدنى المطلوب لتكون آلة انتخابية قادرة على الوصول للحكم ولذا ترى جلّ هذه الزعامات تراهن على الفوز الشخصي في الانتخابات الرئاسية باعتباره مفتاح كل شيء..
والإشكال هنا أننا أمام حالة قديمة ليست وليدة الثورة ..لقد عانت تونس من هذه المفارقة إبّان حكم بن علي حيث منع صراع الزعامات، في عدة مناسبات ،من توحيد المعارضة الديمقراطية وحتى حركة 18 أكتوبر التي تمكنت من جمع أوسع طيف سياسي ضد نظام بن علي قد تكسرت فيما بعد نتيجة عدم التوافق على من يقود ، سياسيا، المعارضة في معركة الانتخابات الرئاسية لـ2009..
لا جدال في شرعية الطموح السياسي ولكن لا معنى لزعامة سياسية في مسار فردي ولا معنى لزعيم سياسي عاجز عن خلق حزب قادر على الفعل ، فالزعامة ليست «نبوة» أو «اصطفاء» الزعامة هي القدرة على القيادة وأول عناصر هذه القدرة هو خلق الإطار السياسي القادر على التغيير والفعل..
ثم لا معنى لزعامة لا يعترف بها الحلفاء السياسيون فالزعامة هي عنصر بناء لمشروع جماعي لا مبايعة لكاريزما شخصية..
ويبدو أن العائلة الوسطية الديمقراطية هي التي أصيبت أكثر من غيرها بمرض تورم الزعامات فأفسدت على نفسها فرصا تاريخية كبرى في حين أن مؤشرات عديدة تفيد بقدرة هذه العائلة على قيادة البلاد..
ولكن لا يمكن ربح أي معركة دون إستراتيجية جماعية ودون التضحية ببعض الطموحات الشخصية، أي عوض أن يؤسس كل «زعيم» حزبا جديدا، أن يقبل جلّهم بالانخراط في مشروع حزبي مشترك وأن يربطوا طموحهم الشخصي بالقدرة على النجاح الجماعي وأن يقبل بعضهم بالتنازل لبعض.
انتخابات ماي 2018 ستكون امتحانا جديدا لهذا الكم المتعاظم من الزعامات ويبقى السؤال الأبدي : متى ستعي هذه الزعامات الدرس ؟ ومتى تدرك هذه القيادات أن الطموح الشخصي في السياسة لا معنى له إن لم يكن في خدمة مشروع جماعي ؟
ما نخشاه على العائلة الديمقراطية الوسطية في بلادنا هو انطباق الآية الكريمة على زعاماتها : «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ..»