تعديل وزاريّ وفجوات ...

يتضمّن التحوير الوزاري الأخير مجموعة من الفجوات التي لا نخال أنّ رئيس الحكومة يجهلها ومع ذلك ألفيناه لا يقيم لها اعتبارا وكأنّه يعوّل على سرعة نسيان التونسيين لفحوى الخطابات السياسية أو فقدان أغلبهم الذاكرة عندما يتعلّق الأمر بحقوق النساء. وتكمن الفجوة الأولى في المسافة بين الوعود بالالتزام ببعض المبادئ والممارسات السياسية. فقد سبق «للشاهد»

أن أعلن التزامه بتمكين النساء من مواقع صنع القرار معترفا بوجود كفاءات يمكن التعويل عليها في بناء المسار الديمقراطي ولكنّ التعديل الوزاري كشف عن فجوة بين القول والفعل : بين ما صرّح به «الشاهد» في المناسبات الرسمية وما قرّره بعد التشاور أو الرضوخ لمنطق التوافق حسب موازين القوى. وهو أمر يرسّخ أزمة الثقة ويزيد في تعميق الهوّة بين الحكومة والمواطنين. أمّا الفجوة الثانية فتتمثّل في نسبة حضور النساء في هذه الحكومة وهي نسبة ضعيفة تفضح هيمنة الأيديولوجيا الذكورية في مجتمع ادّعت قيادته في أكثر من مناسبة، انتماءها للحداثة وللمدرسة البورقيبية، ومعاداتها «للظلامية» والرجعية وكره النساء و...ولكن عندما يتعلّق الأمر بالنساء يتحقّق الوفاق بين أهل اليسار وأهل اليمين فيكون التهميش والإقصاء. وهكذا تؤكّد الفجوة الجندرية مرّة أخرى ،أنّ الرغبة في السلطة ومراعاة المصالح الحزبية وقواعد المنافسة الذكورية تقضي بالحدّ من المشاركة السياسية للنساء في أعلى الهرم.

ونتفهّم لجوء ‘الشاهد ‘إلى الممارسة التمييزية التي تتعارض مع ما جاء في الدستور من مواد تقرّ بالمساواة في تكافؤ الفرص والتزام الدولة بمناهضة التمييز فالرجل قد تأثّر بالعسكرة فأعلن الحرب وأطلق على حكومته نعتا جديدا وهي «حكومة حرب»، والقاعدة تقول أن لا مكان للنساء في المعارك والحروب إلاّ لمن استطاعت المؤازرة وتحفيز الرجال على المقاومة.

غير أنّ المتأمّل في قواعد العمل السياسي التونسي ينتبه إلى أنّ من احتفظت بمنصبها لا تخرج عن هذه الاحتمالات: إمّا أن تكون صاحبة جاه ومال أو رصيد رمزي توظفه عند الحاجة أو مدعومة من رئيس حزب يسندها عند الأزمات.وهكذا يلوح أنّ تضييق الفجوة في مجال التعليم والصحة والعمل... ممكن أمّا العمل على سدّ الفجوة في مجال المشاركة السياسية بين الجنسين فإنّه عسير .

ونتبيّن من وراء إعلان الحرب على الفساد والإرهاب والتخلّف فجوة ثالثة يمكن أن نسميها بالفجوة المعرفية وتتجلّى في وجود مسافة بين ما يعرفه السياسيّ عن أداء النساء خلال مرحلة التحول الديمقراطي، وما يتخذه من قرارات وسياسات تقيم الدليل على تنكّر لهذا الواقع وإصرار على تجاهل ما يعرفه و إظهار إرادة اللامعرفة . ولئن اختلف الفرقاء حول عدّة ملفات تتصل بسبل مكافحة الإرهاب والحدّ من تفشي الفساد وقانون المصالحة الاقتصادية وغيرها من المواضيع فإنّهم أبدوا الرضا عن هذه «الهندسة» السياسية لعملية تسيير البلاد فلا مكان للنساء في الصفوف الأمامية ولا سبيل لمنحهن وزارات السيادة إذ لا يمكن التعويل عليهن في إدارة ملفات ‘حساسة’ ودقيقة وخطيرة وبذلك تترسّخ الصور النمطية وتسيّج طموحات النساء.

لا يكفي أن نشخّص الفجوات: الفجوة الطبقية والفجوة الجيليّة والفجوة الجندرية والفجوة الاقتصادية، والفجوة بين الجهات... وأن نعرض أسباب حصولها بل من الضروريّ أن نعمل على سدّها حتى لا تتسع رقعتها فتزداد العلاقة بين المواطن/ة والحكومة سوءا وتتفاقم أزمة الثقة ...ولا يكفي أن نصوغ دستورا رياديا وفي المقابل تنتفي إرادة تطبيق ما ورد فيه من مواد فيبقى حبرا على ورق ...ولا يكفي أن نحتفي بصدور قانون أساسي لمناهضة العنف ضدّ النساء وأن نمارس العنف في أعلى هرم السلطة...ولا يكفي أن نطلق مبادرة لضمان حقوق النساء وإقرار المساواة على قاعدة المواطنة الكاملة والتشاركية ثمّ نوافق على تشكيلة حكومة ذكورية بامتياز.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115