مشاغل السياسة والسياسيين، وينسيهم في «السبسي الإبن، والشاهد» والتحوير الوزاري، ولو إلى حين.
فإذا تأمّلنا في «لهفة» التونسيين على شراء الخروف أو الكبش بالرغم من تذمرهم من قلّة ذات اليد أو تأففهم من هذه العادات بان لنا أنّ الممارسة لا تتعلّق بطقس أضحية ذي أحكام محدّدة، وحمولة دينيّة مخصوصة بقدر ما ترتبط بما دأب عليه القوم من ممارسات وعادات وما وجدوا عليه آباءهم بل إنّ ممارسة الطقس صارت معبّرة عن هيمنة ثقافة الاستهلاك. وهذا يدفعنا إلى الإقرار بأنّ قلّة من التونسيين لاتزال تكترث بشروط الأضحية وأحكام الذبح وغيرها من القواعد المقنّنة في كتب الفقه فتلتزم بتطبيقها... يكفي أن تُجري جولة في المغازات العامّة أو دكاكين الجزّارين حتى تنتبه إلى أنّ القوم يشترون اللحم قبل يوم العيد و«يُقدّدون» نصيبا منه قبل موعد صلاة العيد ... وفق هذا الفهم وما نُعاينه في الواقع المعيش يصحّ القول إنّ الوظيفة الاجتماعية للطقس قد طغت على حساب الوظيفة الدينية فصارت المناسبة محقّقة للّحمة الاجتماعية أكثر من خدمتها للتضامن والأخوة الدينيّة التي تفرض تقليص الهوّة بين مختلفات الطبقات الاجتماعية وإن مناسباتيا.
وعلى هامش هؤلاء المتمسّكين بذبح أضحية العيد يحافظ بعضهم على طقوس العيد من تبخير للمنازل ليلا ونهارا، واستماع للقرآن وللأغاني الدينيّة ولا بأس من «الكبش يدور وقرونو نطاحة»، ويلبسون أفخم «الجبب» التقليدية لأداء صلاة العيد وفي المقابل نراهم يستبدلون الكبش بالسمك أو غلال البحرأو الدجاج... إذ لا طاقة للقوم على «الانغماس» في «حوسة العيد» رأفة بالجميلات ، ولا رغبة لهم في تلويث البيئة لاسيما وأنّ الساحات العامة قد تحوّلت خلال أسبوع إلى مزوّد رسميّ للنفايات.
تثبت هذه العينات وغيرها تسلّل التغيير إلى تصوراتنا الدينية. فالتحوّل قد أصاب طرق فهمنا للنصوص الدينية وأشكال التديّن ومقاصد ممارستنا لبعض الطقوس والشعائر التي تبدو في الظاهر دينيّة، والحال أنّها خالية من المغزى الديني، ولا تحرّكها القيم الدينية بل إنّ الرياء الديني تفشّى إلى الحدّ الذي باتت فيه مراجعة المسلمات أكيدة ،وإعادة النظر في علاقتنا بالدين والنظام الطقسي ضرورية، ومراعاة مدى انسجام خطاباتنا حول الدين مع الواقع اليومي إلزامية.
وفي سياق وضع اقتصادي عسير وعجز السياسيين عن إيجاد الحلول لأزمات تسبّب «قاطعو الطرق» المؤدية إلى الإنتاج في أهمّها يستمرّ الأئمة والخطباء والدعاة في اجترار خطاب فاقد للنجاعة متجاهلين دورهم الرئيس في مثل هذا السياق التاريخي العصيب... فأنّى لمن استمع إلى الحديث عن آداب النحر أن لا يستحضر مئات الرؤوس التي ذبحت من الوريد إلى الوريد على مرأى ومسمع العالم في احتفالات جماعية؟ وأنّى لمن استمع إلى التكبير قبل الذبح أن يسهو عن أحداث إرهابية صار فيها التكبير عنوان الانتصار على الطواغيت والكفار؟ وأنّى لمن رأى دم الأضحية يسري أن لا يسترجع صور دماء الأبرياء تتدفق قربانا يقدّم للمتعطشين للدم؟وأنّى لمن اشتمّ رائحة اللحم المشوي أن تغيب عن عينيه مشاهد تحريق داعش للأبرياء ؟
وبالرغم من قتامة المشهد نزعم أنّ الأعياد لاتزال مناسبة لصلة الرحم والودّ والحبّ والفرح والضحك والتآزر والتعاون والتكافل و... فليكن التونسي للتونسي رحمة ولتكن الروحنة مهيمنة على الطقسنة ولتغفروا زلّتي إن خدشت «مشاعركم الدينية» وكلّ عامّ وأنتم بخير.