لقد أربك قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر أنصار هذه الإمارة في بلادنا أكثر، ربّما ، ممّا أربك القطريين ذاتهم..
لا إشكال في أن نقيّم هذه الأزمة من مداخل مختلفة أو أن نعتقد أن هنالك طرفا مخطئا أكثر من غيره ولكن ما لا يفهم هو اعتبار أننا أمام أحد مظاهر صراع الخير مع الشرّ وأن طرفا (قطر في وضعية الحال) يمثل القيم والمبادئ لوحده في هذا النزاع. ها أن رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي يكتب على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي ما يلي «يشنّ اليوم الهجوم على دولة قطر «عقابا» لها على دعمها المبدئي واللامشروط للشعوب في ثوراتها التحررية ودعم المقاومة الفلسطينية واستغاثة كل مظلوم عبر العالم موقف يشرف الشعوب العربية ويشرف دولة قطر قيادة وشعبا».
ويؤازره في ذلك شقيقه اللدود المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية الأسبق إذ يكتب بصريح العبارة «انه فصل جديد من تواصل المخطط الجهنمي الذي تقوده حكومة الإمارات ضد كل نفس تحرري وضد كل من يدعمه أصالة عن نفسها وعن اخطبوط من اللوبيات الصهيونية والاستخباراتية الغربية وأصحاب الثروات الطائلة المسروقة للشعوب الفقيرة».
والذي يهمنا هنا ليس فقط الاصطفاف اللامشروط وراء دولة أجنبية لرأسين سابقين للسلطة التنفيذية ..فهذا قد تعودناه منهما بالذات وهما في الحكم فما بالك وقد غادراه ويحلمان بالعودة إليه ولكن المدهش حقا هو غياب الاتزان والحكم الموضوعي وكذلك الموقف المبدئي..
فلو كانت قطر كلها خيرا للثورات وللشعوب وأنها تتعرض لمؤامرة إقليمية ودولية تلعب فيها الصهيونية دورا بارزا فلم لم تذكر المملكة السعودية حتى مجرد الذكر ؟ ! أفليست هي القوة الإقليمية التي تقود الآن هذه المقاطعة ؟ لم التركيز فقط على الإمارات وبصفة عرضية مصر ونسيان – أو تناسي – الدولة الأولى التي تقود هذه المعركة؟ لم التهجم على الإمارات الموصوفة بأقذع النعوت والتعفف عن ذكر المملكة العربية السعودية ولو بكلمة عتاب ؟ أين المنطق ؟ أين الانسجام ؟ هل يريد أنصار حزب قطر أن يوهمونا بأن السعودية دولة تابعة للإمارات وأنها لا تملك قرارها وأنها دخلت في هذه «الحرب» مرغمة على ذلك؟!
والجواب واضح ولا علاقة له بالمبادئ مطلقا ..فجماعة الإسلام السياسي (حمادي الجبالي نموذجا) ومناصرو جماعة الإسلام السياسي على النموذج القطري (المنصف المرزوقي ) يريدون المحافظة على شعرة معاوية مع الدولة الوهابية التي كانت إلى حدود بداية تسعينات القرن الماضي الراعي الأول والابر لجماعة الإخوان المسلمين قبل أن ينقلب الاثنان على بعضهما البعض وقبل أن تتولى قطر هذا الدور الإقليمي لا حبّا في الإخوان ولكن لاستعمالهم كذراع سياسية في استراتيجية قطر للتحرر من سطوة الأخ الأكبر: المملكة السعودية. جماعة حزب قطر في بلادنا يخشون من ضياع راعيهم الأساسي ولذلك تراهم يتجنبون الإساءة للسعودية عسى أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة ..أو ربّما هم يظنون بان التركيز على الإمارات فقط من شأنه أن يخفف الحمل على قطر وأن يعيد السعودية إلى «رشدها»..
وكأننا اليوم أمام مانوية جديدة : الخير (قطر ) والشرّ (الإمارات) وهذه المانوية تسمح بوضع كل خصوم الإسلام السياسي في وضع العملاء الفعليين أو الموضوعيين للشيطان الأكبر : الإمارات ..
والغريب أن بعض «العقول» في تونس قد تبنت التصور التالي : قطر هي الداعم الرسمي للثورة وللحرية ولمقاومة الفساد وكل الخصوم الفعليين أو المفترضين لحزب قطر هم بالضرورة من حزب الإمارات وينتمون لاخطبوط يريد أن يلتف على «الثورة» كما تتصورها هذه «العقول» ..
وحتى تكتمل هذه النظرية كان لابدّ من «وثيقة» تقيم الحجة والبرهان على «المخطط الإماراتي الرهيب» .. وقد أورد موقع الصدى الالكتروني هذه «الوثيقة» التي تحصل عليها بوسائله الخاصة..
عندما نعلم ما هو هذا الموقع وماهو تموقعه لا نستغرب من الأمر ولكن أن تتولى جريدة «الفجر» الناطقة باسم حركة النهضة ..إعادة نشر هذه «الوثيقة» مع إشارة بالبنط العريض إليها بصفحتها الأولى .. ورغم قول الصحيفة في مدخل المقال «وإن ثبتت صحة تلك الوثيقة» إلاّ أنها توردها كاملة وبقائمة الأسماء والجهات التي ستعول عليها الإمارات في هذا «المخطط الرهيب لتخريب المشهد السياسي والإعلامي في تونس» ومن الجهات والشخصيات التي تنوي الإمارات دعمها أو الانفتاح عليها أو حتى تبنيها نجد محسن مرزوق وحزبه وشخصيات دستورية كرشيد صفر ومصطفى الفيلالي ومنصور معلى وكمال مرجان وعبير موسي وحزبها ونجيب الشابي واتحاد الشغل وأمينه العام نورالدين الطبوبي واتحاد الأعراف ورئيسته وداد بوشماوي ورجال الأعمال النافذين وجريدة «المغرب» (نعم هكذا !!)وقناة الحوار التونسي وإذاعة شمس ا ف م ومؤسسة مؤمنون بلا حدود ومؤسسة بيت الحكمة ..
كل هذه القائمة من الهيئات والمؤسسات والشخصيات ستدعمها الامارات في حربها ضد قطر ونفوذها في تونس !!!
انه استبلاه العقول والقلوب واحتقار للبلاد ولنخبها ..إنها نظرة لا ترى في تونس غير العبيد إما لقطر أو للإمارات ..فتبا لبلد تكون نخبته أسيرة بين إمارتين خليجيتين مع تقديرنا وحبنا لكل شعوب العالم ولبلدين نتقاسم مع أهاليهما وشائج اللغة والدين والحضارة ولكن نربأ بأنفسنا وبنخبنا السياسية والاقتصادية والفكرية والإعلامية أن تكون في علاقة تبعية مع احد مهما عظم اسمه وعلا شأنه .
وكنا نتوقع من جريدة ناطقة باسم حزب مساهم في الحكم ان تتحرى قبل حشر كل هـذه الأسمـاء والدفع بها إلى أتون صراع سخيف ..
نحن لا نرضى لحركة النهضة ولا لغيرها من الأحزاب أن تكون تابعة لقطر أو لتركيا أو لأية دولة كانت ..وكان الأولى بها ألاّ تعتبر كل من خالفها النهج ولو بحدة انه من أتباع الإمارات ..
تبّا للعبودية وتبّا لأدمغة لا ترى في بلادها غير العملاء..