بعد أسبوعين من بداية الحرب على الفساد

•تعهد القضاء العسكري بملف يهم التآمر على أمن الدولة
•تراجع وتيرة الاعتقالات
•لغز انتظار القطب القضائي المالي
•اضطرابات في حزب نداء تونس


اليوم نكون قد دخلنا في الأسبوع الثالث من إعلان الحكومة الحرب على الفساد والذي ابتدأ باعتقال شفيق جراية وياسين الشنوفي ثم تبعته اعتقالات أخرى بمقتضى حالة الطوارئ آخرها ما حصل يوم أمس عندما تم اعتقال عكرمة الوذان وهو من أكبر المتهمين بالتهريب في ولاية مدنين.

لاشك أن أسبوعين فترة قصيرة جدّا لتقييم حملة كهذه إذ يعلم الجميع بأن الحرب على التهريب والفساد ستكون طويلة وشاقة وملتوية وأن هذا التحدّي لا يضاهيه تحدّ فحتى الحرب على الإرهاب ورغم كلفتها البشرية والأمنية المرتفعة جدّا تبدو أيسر بكثير من هذه الحرب الجديدة التي فتحنا فيها الواجهة الأولى الجدية خلال هذين الأسبوعين المنصرمين ..
ولكن رغم ذلك يمكننا استنتاج معطيات هامة من خلال هذين الأسبوعين الأولين :

• رغم خصوصية ملف شفيق جراية والذي تعهد به القضاء العسكري فإن بقية المعتقلين بمقتضى قانون حالة الطوارئ ينتمون جميعهم إلى من نسميهم بأباطرة التهريب ..أي أن هذه الحملة لم تستهدف ،إلى حدّ الآن ، أنشطة الفساد الأخرى كالرشاوى الكبرى في بعض الصفقات العمومية أو غيرها والأجهزة الحساسة كالديوانة والقضاء والأمن ولا كذلك أهل السياسة وأهل الإعلام والذين تحوم حول بعضهم شكوك كبيرة باستفادتهم من شبكات فساد معلومة ..

قد تكون إستراتيجية الحكومة قائمة على فكرة بأن أباطرة التهريب هم رأس الأفعى وأنهم بتحييدهم قد تتيسّر عملية تفكيك الشبكات المرتبطة بهم والمستفيدة منهم..
كما لا نستبعد أن التباطؤ النسبي للقضاء المدني ممثلا في القطب القضائي المالي قد عسّر إلى حدّ ما تواصل عملية الاعتقالات في إطار قانون حالة الطوارئ إذ لا يمكن للسلطة التنفيذية أن تحتفظ بعدد هام من المواطنين وتضعهم تحت الإقامة الجبرية دون أن يوجه لهم القضاء تهمة معينة ..

• عندما تعلق الأمر بمعطيات – لا نعلم حقيقتها إلى الآن – تخص الأمن القومي تحرك القضاء العسكري بسرعة فائقة ووجه التهم المعلومة لأول المعتقلين وهو شفيق جراية كما تم إيقاف إطار أمني سام وهو الرئيس السابق لفرقة مكافحة الإرهاب بالقرجاني والمدير العام الحالي للأمن الرئاسي ..كما استمع القضاء العسكري للنائبة صابرين القوبنطيني ..
ورغم الخلاف بين قاضي التحقيق العسكري ومحاميي المتهم شفيق جراية حول تصوير ملف الاتهام من عدمه إلا أن نسق الأبحاث متقدم على ما يبدو في انتظار أن يحاط الرأي العام علما بحقيقة التهم الموجهة للمعني بالأمر ..

• ما لم يفهم، إلى حد الآن ،هو عدم تحرك القطب القضائي المالي باعتباره الجهة القضائية الوحيدة المخولة للتحقيق في ملفات الفساد..
بعض القضاة يقولون بأنه على الحكومة أن تمد القطب القضائي المالي بالملفات التي تثبت تورط المعتقلين في ملفات فساد..
ولكن ما نعلمه هو وجود قضايا مفتوحة ضد بعض هؤلاء، تعود في جزء منها ، إلى سنة 2011 وحتى ما قبلها والسادة القضاة يعلمون علم اليقين أنه لا يحق للسلطة التنفيذية أن تحقق مع المعتقلين الموضوعين اليوم تحت الإقامة الجبرية .

ما لا نفهمه هو عدم التدخل السريع للقضاء –حامي الحقوق والحريات – لكي يقوم بالتحقيقات الضرورية فيما ينسب لهؤلاء المعتقلين ولغيرهم كذلك ثم يقرر إن كان أمام تهم جديدة أم لا ،أما ما يمكن أن يفهم منه وكأنه عدم اكتراث بحملة شغلت الناس فهذا ما لم نفهمه بعد..
لا أحد يطلب من القضاء الحكم بالظنّة أو تحت ضغط الرأي العام ..ولكن ألاّ يتحرك القضاء في ملفات كثرت فيها الاتهامات والأقاويل بل وتدخلت فيها السلطة التنفيذية بالاعتقال وبالوضع تحت الإقامة الجبرية فهذا يبقى اللغز الأكبر بعد انقضاء أسبوعين من بداية الحرب على الفساد ..
نتمنى على الناطق الرسمي بالقطب القضائي المالي أن يعطينا موقف القطب وهل يعتبر نفسه معنيا بهذه الاعتقالات أم لا وهل ينوي التدخل أم لا حتى تتضح الصورة عند الرأي العام..

• منذ أن تم اعتقال شفيق جراية وبالتهم الخطيرة التي وجهت إليه كان واضحا بأن ارتدادات هذا الزلزال الكبير ستصيب في العمق قيادات هامة في حزب نداء تونس القديمة منها والمنتدبة الجديدة كذلك ..فبعض هؤلاء كانوا يتفاخرون بصداقتهم مع شفيق جراية ولا يخفون آثار هذه الصداقة على نمط حياتهم الخاصة ..ولهذا عمّ الاضطراب هذه القيادات وسعت لتوحيد ما تبقى من صفوفها وإن لزم الأمر أن يكون ذلك بطرد أو تهميش المترددين .. ولكن بالإمكان الشك في جدية هذه الإستراتيجية الدفاعية الهجومية ..إذ قد يكون من الأولى إبعاد «أصدقاء» شفيق جراية من الصفوف الأمامية للحزب بدل ترصيفهم الواحد حذو الآخر في واجهة الحزب الفائز بانتخابات 2014..

أسبوعان فقط من بدء هذه الحرب ورغم تشكيك البعض في جدية نواياها (وهو تشكيك يبقى وجيها ما لم تثبت المعطيات المادية عكسه بوضوح) نلاحظ حجم التحول الحاصل سياسيا وقضائيا وشعبيا واعتقادنا أن الديناميكية التي بدأها رئيس الحكومة لا يمكن لأحد إيقافها اليوم حتى ولو كان صاحب القصبة ذاته ..

ولكن التجارب السابقة علمتنا أنه دون ضغط شعبي ودون تحرك النخبة والمجتمع المدني لا ينجز شيء يذكر ...
الرخّ لا ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115