نداء تونس: قصة سقوط مُدَوٍّ

بعد استقباله لوفد من حركة النهضة يتكون من راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو ونور الدين البحيري... قبل يوم أمس . استقبل رئيس الجمهورية يوم أمس وفدا عن نداء تونس يقوده مديره التنفيذي حافظ قائد

السبسي ويتكون من رئيس الكتلة سفيان طوبال وخالد شوكات واثنين من المنتدبين الجدد برهان بسيس وسمير العبيدي (آخر وزير إعلام لبن علي )..

وفي هذه الصورة تلخيص بليغ للوضع الذي آل إليه الحزب الفائز في انتخابات 2014 : آلة طوعت قسرا لخدمة طموحات نجهل هويتها لمن يعمل جاهدا منذ ثلاث سنوات لوراثة سياسية لأبيه ..

عندما تشكل نداء تونس في ربيع 2012 كان ، إلى حدّ ما ، على شاكلة تونس : مجموعة من التيارات والحساسيات الفكرية والسياسية (سميت آنذاك بالروافد) تنتمي لثلاث عائلات سياسية بارزة: اليسارية والديمقراطية الوسطية والدستورية مع عدد هام من الوجاهات الجهوية وكم في تصاعد مستمر من انتهازيي كل الأزمنة والأحقاب..

هذا الخليط غير المنسجم تمكن رغم هشاشة التكوين الأصلي من قلب الموازنات التي كانت تحكم المعادلة السياسية آنذاك ومن الانتصار في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014..

ولكن في الحملة الانتخابية ظهر بعدان جديدان لم ينتبه إليهما الكثيرون وقتها : بروز طموح نجل رئيس الحزب لوراثة والده على الأقل في نداء تونس والعلاقات المسترابة التي بدأت تربط قيادات ندائية نافذة مع لوبيات المال الفاسد ..

وما لا يمكن إنكاره اليوم هو التحالف الذاتي والموضوعي الذي حصل بين شق نجل الرئيس وهذه اللوبيات من اجل تحقيق هدف الطرفين معا : إقصاء كل القيادات التي كانت تعيق صعود النجل والاختراق الممنهج للحزب من قبل هذه اللوبيات حتى أضحى أحيانا الفصل بين الاثنين مسألة إجرائية شكلية لا غير ..ولقد رأينا طيلة هاتين السنتين الأخيرتين بالخصوص كيف كانت مسألتا التوريث واختراق اللوبيات للنداء وراء كل صراعات الشقوق في هذا الحزب وكيف أن بعض الأطراف سعت للاستقواء بالدولة وبهذه اللوبيات وبنجل الرئيس لضرب خصومها (أليس كذلك يا سيد رضا بلحاج مدير الديوان الرئاسي السابق ؟ !) ولكن كل ما فعلته وسواء وعت بذلك أم لم تع كانت نتيجته الوحيدة تقوية مجموعة نجل الرئيس ولوبيات الفساد كذلك ..

و«الطريف» (وان كان ذلك من المضحكات المبكيات ) أن الصراع الأساسي داخل النداء أضحى هذه الأشهر الأخيرة بين جماعة المدير التنفيذي وأنصار اللوبيات وهو صراع متحرك بتحرك المصالح المباشرة وكان الجميع يتابع ما يجري داخل كتلة النداء ليعرف بوضوح وبصفة يومية حالة الوئام من عدمها بين المدير التنفيذي ولوبي شفيق جراية داخل الحزب وخارجه أيضا ..

نداء تونس الذي صوت له قرابة %40 من التونسيين في الانتخابات التشريعية ولمرشحه في الدور الأول من الرئاسية قد دفن بصفة نهائية فيما سمي بمؤتمر سوسة في جانفي 2016 حيث أصبح نجل الرئيس الممثل القانوني للنداء وأحكمت جماعة اللوبيات قبضتها على أهم مفاصل الحزب .. وقد قلنا في أكثر من مرة بان الموت السياسي لنداء 2012 في مؤتمر سوسة لا يعني البتة موته الانتخابي ..وان هذا النداء «الجديد» مازال قادرا على كسب المنافسات الانتخابية القادمة مادام يتوفر على شرطين أساسيين لذلك وهما : رئاسة الدولة للباجي قائد السبسي فبذلك يكون النداء حزب الرئيس ولهذا الاعتبار وزن كبير لدى جزء من الرأي العام وثانيا مادامت جل الوجاهات الجهوية الوازنة واقفة مع النداء ..

وبالإمكان أن نقول بان هذين الشرطين مازالا متوفرين لا لقوة الفريق الحالي الملتف حول نجل الرئيس بل لغياب بديل جدي من وجهة نظر هذه الوجاهات الجهوية والمحلية أي حزب قادر على الانتصار ..لأن الوجاهات لا يمكنها مطلقا الارتباط بحزب حظوظ فوزه في الانتخابات القادمة ضعيفة أو معدومة ..

ولكن هذين الشرطين مؤقتان جدّا ولا يضمنان استمرارية النداء الحالي بعد سنة 2019 ولذلك انصبّ تفكير «الأدمغة المفكرة» في النداء الجديد على إستراتيجية ذات ثلاثة أبعاد :

- «مناشدة» الرئيس الباجي قائد السبسي إعادة الترشح سنة 2019 وبذلك تضمن استمرارية هذه المنظومة السياسية ، نظريا ، لحدود سنة 2024 وتستعد في الأثناء لاكتساب مناعة إضافية ..

- تمرير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية والمقصود به ليس موظفين أو رجال أعمال بعينهم بل كل المنظومة القديمة التي اشتغلت مع بن علي والتي تراهن قيادة الحزب على استقطابها كاملة وتوفير كل الحماية الإدارية والقضائية لها بموجب قانون المصالحة

- تطعيم القيادة المصابة بفقر الدم السياسي بوجوه «جديدة» وهي في الحقيقة بعض الوجوه في الفريق «ب» لبن علي حتى تكون هي الأدمغة المفكرة لهذا النداء الجديد وممّا لا يفسد للود قضية هو الارتباط الواضح لبعض هؤلاء المنتدبين بلوبيات شفيق جراية وهكذا يكون الحزب قد ضرب عصفورين بحجر واحد : انتدابات «نوعية» وإرضاء جديد لهذه اللوبيات ..

كانت الأمور تسير «خمسة على خمسة» وفق السيناريو المخطط لها إلى أن جاء الإعلان المباغت لرئيس الحكومة بالحرب على الفساد وباعتقال رموز لها أفضال كبيرة على عدد من القيادات الندائية القديمة والجديدة منها..

فالأسبوع الفارط قد افسد كل الحسابات ودفع بالقيادة الحالية للنداء إلى شن هجوم مضاد باعتباره أفضل وسيلة للدفاع وللقول بان الحزب بقياداته هذه هو من اكبر الداعمين للحرب على الفساد (نعم هكذا !!..)

ولكن تحدس القيادة الحالية للنداء (ولا سيما المنتدبين الجدد) بأنه سيكون ما قبل وما بعد الحرب على الفساد وانه رغم كل الاحتياطات والتطمينات فلن تمر هذه الحرب بردا وسلاما على الجسم الندائي ..

فبعد استراتيجيات أحكام السيطرة على البلاد ها هي القيادات الندائية ترى نفسها مضطرة لإتباع استراتيجيات النجاة من الغرق ..وفي هذا المجال يتميز المنتدبون الجدد بخبرة واسعة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115