في الأسبوع الثاني لإعلان الحرب على الفساد: هل تكون المعركة القادمة بين رئاسة الحكومة وقيادة نداء تونس ؟

ندخل اليوم الأسبوع الثاني لإعلان الحرب على الفساد والذي تميز باعتقال بعض بارونات التهريب واللوبيات وبتوجيه تهم المس بأمن الدولة الداخلي لشفيق جراية من قبل القضاء العسكري..


ورغم غياب معلومات رسمية حول إستراتيجية الحكومة في حربها على الفساد وفي نوعية وطبيعة الخطوات القادمة ولكننا بدأنا نلمس الارتدادات السياسية لهذا الزلزال الذي أحدثته موجة الاعتقالات الأولى ..

الارتداد الأهم والأخطر والأبلغ هو بلا شك ذاك الذي رجّ قيادة نداء تونس وكتلته النيابية التي اعتبرت نفسها مستهدفة بحملة « ممنهجة» قصد تشويه عدد من نواب حركة نداء تونس «في استهداف يائس للحزب ونوابه». كان هذا في بيان صدر في ساعة متأخرة من يوم الاثنين بعد اجتماع الكتلة بحضور عدد من القيادات الحزبية - وخاصة من المنتدبين الجدد – وأمضى على نص البيان كل من حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للنداء وسفيان طوبال رئيس الكتلة..

والسؤال المطروح اليوم هل أننا أمام توظيف لحملة الاعتقالات قامت بها «بيوت سوداء» للإساءة لنداء تونس أم أن الحرب التي أعلنها رئيس الحكومة لا يمكن لها إلا أن تطال بشكل أو بآخر حزب نداء تونس وكتلته النيابية؟ ..

تؤكد قيادة نداء تونس في العلن على الفرضية الأولى ولكن في الكواليس تعرب عن مخاوف شديدة من اختيار حكومة الشاهد للنهج الثاني أي استهداف جزء من نواب نداء تونس على اقل تقدير ..

مهما يكن من أمر فقد اختارت القيادة الحالية لنداء تونس معززة بالمنتدبين الجدد من الفريق «ب» لنظام بن علي توخي سياسة هجومية متوعدة كل من ينخرط في هذه «الحملة المشبوهة» بالتتبع القضائي ..ولكن سياسة مساندة الحكومة في حربها على الفساد من جهة والتنديد بحملات التشويه من جهة أخرى لا يمكن أن تستمر وذلك لأن القيادة الحالية لنداء تونس تدرك أن استهداف بعض ركائزها الأساسية لم يعد مسالة تتحكم فيها السلطة التنفيذية بل سيتدخل فيها لاعب جديد ومن الوزن الثقيل وهو القضاء ..

قلنا في السابق بان نية إعلان الحرب على الفساد قد تمت بموافقة رئاسة الجمهورية عليها منذ بداية التفكير فيها ..ولكن هنالك من يروج لرواية «موازية» تقول بان القيادة الحالية لنداء تونس كانت هي الأخرى على علم بذلك ..وهذه رواية تفندها كل المعطيات الموضوعية المتوفرة لدى الجميع ..وأهم هذه المعطيات هو عدم تبرؤ أحد من شفيق جراية بل كل المحسوبين عليه في نداء تونس كرروا الاعتزاز بصداقته إلى أيام قليلة قبل اعتقاله بما يفيد بأنهم لم يكونوا مطلعين بالمرة على مخطط الحكومة ..

أما المعطى الثاني والاهم فهو التداخل العضوي المتفاقم بين شفيق جراية ونداء تونس منذ ربيع 2014.. أي على امتداد هذه السنوات الثلاث الأخيرة وتحالفه الوثيق في فترات مطولة مع المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي وفترات الخلاف بل والصراع بين الرجلين قصيرة جدّا مقارنة بفترة الوئام والتوافق ..

وآخر «أفضال» شفيق جراية على نداء تونس فكرة «الانتدابات الجديدة» والتي ضمت في صفوفها أصدقاء «أشاوس» لنزيل السجون العسكرية الآن في انتظار محاكمته ..

أي في المحصلة أن اعتقال شفيق جراية وأيا كانت الأسباب الداعية إليه هو استهداف مبطن لجزء من قيادات نداء تونس إذ لا يعتقد عاقل واحد بان شفيق جراية والذي تتهدده عقوبة الإعدام في حال إثبات كل ما نسب إليه من تهم سوف يصمت عمن هم مدينون إليه بـ«خدمات» كثيرة ومتنوعة خاصة إن لم يحركوا ساكنا لإخراجه من هذه الورطة الكبيرة.. ولهذه الأسباب يسعى بعضهم اليوم لاستعمال كل علاقاته من اجل إنقاذ شفيق جراية لا حبّا فيه بل خوفا من فضحه لإسرار ولأسماء عديدة ..

ولكن يبقى السؤال قائما في هذه الحالة الخاصة بالذات : هل سيتوسع قاضي التحقيق العسكري في كل النشاطات المخالفة للقانون المنسوبة لشفيق جراية أم سيكتفي فقط بالتهم الأمنية الكبرى وفي هذه الحالة هل سيتحرك القضاء المدني ليحقق في كل شبهات الفساد المرتبطة بنشاط الرجل أم لا ؟

ولكن الضربات التي يمكن أن توجه لعدد من القيادات الندائية لا تتوقف فقط على ارتباطها بشفيق جراية بل قد تطال علاقات بعض الندائيين بلوبيات أخرى تحوم حولها شبهات كبيرة أيضا ومن بين هؤلاء بعض من شملتهم موجة الاعتقالات الأولى ..

قلنا في مناسبات سابقة وقبل الإعلان عن الحرب على الفساد بأن هنالك علاقة صدامية خافتة بين رئاسة الحكومة والقيادة الحالية لنداء تونس فهذه الأخيرة أضحت متيقنة من أن يوسف الشاهد قد انتصب لحسابه الخاص وأنه لم يعد يعير أي اهتمام لـ«نصائح» القيادات الحزبية وانه قد أحاط نفسه بفريق لا ينتمي لنداء تونس وانه قد يحول نجاحاته وان كانت نسبية في رئاسة الحكومة إلى أفق سياسي أوسع وخارج «ابط» النداء ومديره التنفيذي ..

ولقد أطلق هذا الأخير بمعية وجوه ندائية بارزة حملة على أعضاء رئيس الحكومة المقربين قصد إضعافه وإلهائه عن تحقيق ما اعتبر هدفه الخفي وغايته القصوى : الانتقال من القصبة إلى قرطاج ..

ولكن حملة الاعتقالات الأخيرة قد غيرت موازين هذه المعادلة رأسا على عقب ..فالإطاحة بشفيق جراية بهذه السرعة وبهذه الطريقة قد أذهلت كل «أصدقائه» ولاسيما منهم من لا يملكون نكران «سخائه» وأضحوا اليوم لا يعلمون هل ستطالهم هذه الحملة أم لا وباية طريقة وما هو حجم الخسائر المرتقبة ..

فالنبرة الهجومية للبيان الأخير لنداء تونس ولكتلته النيابية لا تكاد تخفي حالة الهلع التي أصابت بعض الندائيين وهم يتشبثون بالأمل الأخير وهو تشبث « الكتلة بوحدتها التنظيمية والسياسية وانسجامها التام مع خيارات حزبها» اعتقادا منها أن هذه الوحدة التنظيمية قادرة لوحدها على تجنيب بعض أعضائها المساءلة القضائية غدا ..

في هذه المعركة بين قيادة النداء والحكومة مازلنا في المناوشات الاولى في انتظار المنازلات المدوية ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115