إلى مناطق ذات جاذبية عليا للاستثمار وللذكاء ولخلق القيمة المضافة..وان مطلب التقاسم العادل لثروات البلاد وخيراتها المتأتية أساسا من العمل ومن اجتهاد مواطنيها مطلوب ومشروع أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا ..ولكن بين كل هذا وما نراه اليوم من اعتصامات تريد إيقاف عملية إنتاج الثروة وارتهان مناطق بأسرها بون شاسع لا يمكن لعاقل واحد أين يقبله أو أن يدافع عنه..
نحن نشاهد أمام أعيننا مطالب عبثية وعدمية مبنية على مخيال لا ينتمي لعالم الحقيقة (من صنف أن البلاد فوق محيط من النفط ورفض لكل حلّ بما في ذلك ما بشغل بصفة شبه فورية ثلث العاطلين عن العمل في ولاية كاملة كتطاوين..ورغم ذلك لا تتجرأ النخب من منظمات حقوقية واجتماعية وأحزاب سياسية على القول كفى عبثا ! كفى إهدارا لطاقات البلاد ! كفى إمعانا في السلبية وفي اعتبار أن الشغل في القطاع العام وفي المؤسسات الكبرى ذات التأجير المرتفع نسبيا حق مكتسب ومفروض على السلط العمومية..
إن مجاراة المطالب العدمية والعبثية لا يخدم شبابنا العاطل عن العمل والفاقد لكل أمل..
إن الاكتواء بداء البطالة المزمنة ألم قد يثبط عزائم الأشداء..وهو ألم ينبغي تفهمه ومرافقة صاحبه للخروج من هذه الدوامة المفرغة ..دوامة الإحباط المتواصل ..
من حق هذا الشاب أو الكهل على المجموعة الوطنية أن يتم تمكينه من تحسين تشغيليته ومن إعداده للدخول إلى سوق الشغل أو تشجيعه للانتصاب الخاص ..ومن واجب كل الجمعيات الحقوقية والاجتماعية أن تسهم في هذا العمل الضخم وفي ابتكار أشكال جديدة من التشغيل في الاقتصاد التضامني ..كما من واجب العاطل عن العمل أن يسعى لكل طرق الكسب المشروع وأن يتكبد في ذلك مشاق الطريق إن لزم الأمر..ومن واجب السلط العمومية أن تعمل في ظل سياسات متعددة لخلق مناطق التميّز الضرورية لإنعاش اقتصاديات الولايات الداخلية والساحلية أيضا..
هذه وحدها طريق النجاة الفردي والجماعي ..
أما احتراف الاحتجاج وتقديس الاعتصام وتبرير منع الإنتاج والتهليل لنظريات الاستعمار الداخلي والمناطق المنهوبة فقد يستجيب لنرجسية بعض السياسيين الشعبويين وقد يحقق منافع وقتية لبعض المعتصمين ولكنه يضرب عمق وحدة البلاد وقوتها الأخلاقية للنهوض الاقتصادي ..
فإذا ما اعتصم بعض الشباب في الجنوب حول حقول النقط أو الغاز واعتصم قبلهم بعض أهالي قفصة حول مناجم الفسفاط وشباب قرقنة حول بتروفاك..فأمام ماذا سيعتصم شباب الشمال الغربي والوسط الغربي والشمال الشرقي والوسط الشرقي؟! حول السدود؟ حول تجميع محاصيل القمح؟ حول المطارات ومحطة القطارات ؟ ! وهل سنقول في كل مناسبة هذه مطالب مشروعة؟ ونطالب هنا بنصيبنا من الماء وهناك من القمح والأعلاف أو من الضرائب أو من حركة نقل البضائع والمسافرين ؟ !
إنّنا بصدد التشريع للعبث وللعدمية
إنّنا بصدد قتل الثروة الوحيدة التي يمكنها أن تنقذ البلاد : العمل والعمل فالعمل ..
ما لا ينبغي نسيانه مطلقا هو أن العمل وحده يصنع الأمم والشعوب أمّا التواكل على مخيال ريعي مزعوم وعلى ثروات افتراضية ولكنها منهوبة هو تمهيد لضرب قيمة القيم بدلا من توجيه كل قوى المجتمع من أجل خلق الثروة وتنميتها وحسن توزيعها وتحقيق رفاه جماعي على أساسها..
كلمة حبّ وعقل لكل بناتنا وأبنائنا الذين يعيشون اليوم ظلم البطالة وعسفها : ماذا لو نفذت آبار البترول والنفط ؟ ماذا لو شحت كل ثرواتنا الطبيعية على محدوديتها ؟ على أي ريع مفترض سنتكل ؟ وحده العمل باق ..هذه حقيقة الحقائق ومن يردد على مسامعكم صباحا مساء عكس ذلك لا يريد لكم خيرا ولا ازدهارا ولا خروجا من بوتقة الحرمان والخصاصة ..
وجدير بكل الجمعيات والمنظمات والأحزاب التي لا تتجرأ على مصارحة حقيقة وفعلية للمواطنين أن تنسج على منوال اتحاد الشغل الذي ينظم هذه الأيام ندوة ضخمة حول دور النقابات في المحافظة على الثروات الطبيعية وخاصة في قطاع المحروقات حيث قدم تشخيصا دقيقا واضحا لحقيقة حجم ثروتنا وإنتاجنا والتراجع المستمر المسجل فيه
هل يعني كل هذا عدم وجود شبهات فساد أو إضرار بالمال العام في عقود الاستغلال ؟
لا يمكننا الجزم بشيء إلا بعد تدقيق مفصل ونزيه ..ولكن على فرض وجود هذه الشبهات هل الحلّ اليوم في إيقاف الإنتاج وإيقاف عمليات الاستكشاف؟
نحن بحاجة إلى تأسيس جدي للثقة في البلاد ..ثقة تقوم على المصارحة في كل شيء ..
في عقود البترول ولكن كذلك في شروط النهضة والإقلاع..