في تونس أصبحت القاعدة هي التالية : من هو ضدّك هو ضدّك ومن تخاله معك هو ضدّك أيضا .. وعادة ما تكون طعنات «الأصدقاء» أكثر حدّة وإيلاما من ضربات الأصدقاء..
كان الواضح عند كل من أمضى على وثيقة قرطاج في الصائفة الفارطة من أحزاب ومنظمات اجتماعية أن ما سمي بـ«حكومة الوحدة الوطنية» هي الخرطوشة الثانية والأخيرة عند منظومة الحكم الحالية وان فشلها يعني بكل بساطة فشل المنظومة بأسرها..
ولكن أطرافا في منظومة الحكم داخل القيادات الحالية لنداء تونس وخارجها تريد أن تستعيد سيناريو إسقاط حكومة الحبيب الصيد ذلك أن يوسف الشاهد واصل ،إلى حدّ ما، سياسة خلفه فيما يخص عدم التقيد بـ«النصائح» الأخوية للقيادات الندائية بل هو بصدد اقتراف «جرم» أكبر وهو اللعب للحساب الخاص والاستعداد بمعيّة بعض الوزراء المقربين منه لمستقبل سياسي ما خارج إبط نجل الرئيس المتنفذ الوحيد في ما بقي من الحزب الذي أسسه والده..
وقد تعززت الهجومات الصريحة أو المبطنة ضد حكومة الشاهد إثر «التعزيزات» التي طالت قيادة نداء تونس إثر موسم «الانتدابات» في الفريق الثاني لنظام بن علي ..
وزاوية الهجوم الأساسية المعلنة هي دوما نفسها : ضعف تمثيلية الحزب الفائز في الحكومة الحالية ولكن الأساسي في الانتقاد الندائي هو أن يوسف الشاهد «ما يسمعش الكلام وما يشاورش» لا في التعيينات (في الحقيقة في بعضها فقط) ولا في الإقالات ولا كذلك في السياسات ..والأخطر من كل ذلك بالنسبة للقيادة الندائية الجديدة الملتفة ، وقتيا، حول نجل الرئيس هو أن يوسف الشاهد قد أحاط نفسه بوزراء مقربين لا ينتمي أي واحد منهم لنداء تونس وأن هذا الفريق المصغر بصدد الإعداد لمشروع سياسي ينبغي قبره من الآن..
وقوام هذه الإستراتيجية هي المراوحة بين الضربات فوق « السنتورة» وتحتها أيضا..والمقصود من هذه الضربات إرباك هذا «الفريق المضيّق» وبعث رسائل مشفرة لرئيس الحكومة مفادها «رانا شالقين بيك» وعدم السماح له بالعمل الهادئ لأن نجاحه في الحكومة يعني انعتاقه الكلي من قبضة الحزب الذي ينتمي إليه ، شكليا على الأقل..
ولكن الحسابات السياسوية لا تفسر كل شيء..وينبغي أن نضيف إليها حسابات بعض اللوبيات المتنفذة في دوائر القرار الندائي الحالي والتي تدرك أنها مستهدفة بصفة مباشرة عاجلا أو آجلا من الحكومة..
تدرك هذه اللوبيات أن سلامتها وازدهارها تكمن فقط في استمرار هذا الوضع الانتقالي المتسم بالضعف النسبي للدولة وبسهولة اختراق أهم أجهزتها ..أما لو استعادت الدولة عافيتها وحصّنت أجهزتها الردعية والرقابية والعقابية من كل اختراق فهذه هي نهاية كل هذه اللوبيات التي انتعشت وتفاقم تأثيرها على امتداد كامل هذه السنوات الست ..
فالتحالف القائم اليوم بين هذه اللوبيات وجهات نافذة في حزب النداء هو موضوعي وذاتي في نفس الوقت ..موضوعي لالتقاء المصالح وان كان ذلك من مواقع ولاعتبارات مختلفة وذاتي لأن هذا الالتقاء قائم على تبادل المصالح والمنافع..وكل سعي تستعيد فيه الدولة مناعتها من اختراق اللوبيات هو سعي خطير على مستقبل هذا التحالف..
والسؤال اليوم هو إلى أي حدّ. يمكن لهذا التحالف نصف الخفي نصف المعلن أن يواصل تأثيره في المسار السياسي وان يجد الأذان الصاغية عند مراكز القرار الأساسية في البلاد ؟..
الواضح أن تعايش منطق الدولة مع منطق شبكات اللوبيات والمصالح الزبونية لا يمكن أن يستمر طويلا ..فإمّا أن تتدمر الدولة أو أن يقع قطع دابر هذه الشبكات ..
في الأثناء قد يتزاوج الاثنان باعتبار المصالح والمنافع الظرفية ..
كل المعطيات تفيد بأن ممهدات هذه المعركة القادمة والطاحنة بصدد التموقع الآن ولسنا ندري من سيبادر إلى مباغتة من..
ومن سيظهر إصرارا أكبر على الانتصار ..
ولكن في كل الأحوال مستقبل تونس مرتبط بصفة أساسية بنتيجة هذه المعركة..