بين انتهازية بعض الساسة وتخريب الاقتصاد: مخاوف على تونس

أصبح من التزيّد في القول الحديث عن مفترق الطرق التاريخي الذي تعيشه تونس اليوم..


لقد نجحنا بمقادير هامة في الانتقال الديمقراطي .. نعم هذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد..

ولكن لا وجود في الحياة لنجاح دائم أو لنجاح في حدّ ذاته .. فكل نجاح بإمكانه أن يتحوّل إلى فشل إن لم يدعم وينمى بما يغذيه ويحصّنه من التراجع..

ثورة الحرية والكرامة تقدمت خلال هذه السنوات الست بساق واحدة، الحرية ، بينما كادت تتوقف الساق الثانية عن الحركة إذ لا كرامة دون شغل ولا شغل دون تنمية ولا تنمية دون نموّ..

فالحرية ليست معطى أزليا فهي تتراجع بتراجع التنمية وتتراجع كذلك بتلاعب الساسة وجماعات النفوذ الذين يريدون احتكارها لذواتهم ومصالحهم والانحراف بها عن مسارها الأصلي الدافع إلى حوكمة رشيدة ومحاربة كل لوبيات الفساد..

اليوم لابدّ من إطلاق صيحة فزع والتصريح بان بعض السياسيين ، بدءا بالقيادة الحالية لنداء تونس وبالمغامرين ذات اليمين وذات اليسار ، يرتهنون مستقبل البلاد لفائدة علاقاتهم الزبونية وأنهم بهذا أصبحوا جزءا من المشكلة لا طرفا في الحلّ..

نقول ونكرر أنه لاشك لدينا بأن جزءا هاما من السياسيين نظيفو اليد ويطمحون لخدمة بلادهم.. ولكن من وضعوا أياديهم على مفاصل هامة داخل الدولة وخارجها ومن خلطوا بين السياسة والمال والعائلة أضحوا يمثلون اليوم خطرا على حاضر البلاد ومستقبلها.. وأن بقاءهم في موقعهم يعفن المناخ العام ويبعث على اليأس من كل إصلاح جدي..فاليوم تعقدت شبكات الفساد والإفساد والمصالح المتبادلة واختراق أجهزة الدولة الحساسة من أجل ديمومة هذه المصالح وتوسيع دائرة الاستفادة منها لكل من يدخل «بيت الطاعة»..

تونس بحاجة أكيدة وفورية لعملية من صنف « الأيادي النظيفة» التي أقدمت عليها ايطاليا منذ عقود.. عملية تعيد إلى السياسة نبلها وتقصي منها كل من أفاد واستفاد دون وجه حق .. دون هذا لن تعود للسياسي شرعية القيادة ومشروعية الريادة..

ولكن تونس ليست فقط مهددة من قبل هؤلاء السياسيين الذين اتخذوا مصلحة البلاد ظهريّا بل كذلك من كل الضربات المقصودة أو غير المقصودة التي تنال من آلتها الإنتاجية وتعيق استعادتها لنسق نمو معقول نقاوم به الفقر والتهميش والبطالة ..

لاشك أنه على السلط العمومية أن تكون أكثر إبداعا في إيجاد الحلول الوقتية لمشكلة البطالة في زمن النمو الهش ولكن نعلم جميعا أن للنمو محركات وأننا أحيانا دون وعي منا نضرب هذه المحركات في مقتل..

الاستثمار هو الخالق الأساسي للثروة والمنتج لمواطن الشغل وهكذا يكون كل تعطيل إداري أو اجتماعي أو سياسي للاستثمار هو مساهمة في تفاقم البطالة والتهميش وتعميق لهذه الدائرة المفرغة التي نعيش فيها منذ ست سنوات.. فلا تكفينا التعطيلات البيروقراطية وتراجع الإنتاجية ..فلقد أضفنا إلى هذين العنصرين مناخا اجتماعيا مسموما قد نتفهم دواعيه ولكن لابد من أن نعي جميعا بأن هذا المناخ الاجتماعي المحتقن هو عنصر إضافي لعزوف المستثمرين التونسيين والأجانب ..

الخطاب السياسي الشعبوي الذي يستجدي مشاعر الناس دون أن يصارحهم بالحقيقة يسهم من حيث أدرك أم لم يدرك في تعميق أزمة البلاد وتأخير نموها وتعطيل إنتاجها..

ترى لو كان هؤلاء في السلطة كيف سيوفرون مواطن الشغل لطالبيها ؟ بالإنفاق العمومي إلى حدّ إفلاس الدولة ؟ أم بتغيير سحري لمنوال التنمية ؟

كيف يمكن لسياسي أن يدافع عن تقاسم عادل لثروة لم تخلق بعد ؟ وكيف له أن يستثمر فقط في صعوبات خصومه دون أن يدرك أن انهيار البناء سيأتي على الجميع ولن نجد حينها وطنا نتخاصم عليه؟!..

يخطئ من يعتقد بان النجاح الاقتصادي لتونس سيحسب لحكومة أو لأغلبية سياسية بعينها..انه مسار طويل وصعب..ولن ننجح في هذا المسار إلا بجهد كل أبناء الوطن ولن يكون بمقدور أحد الاستثئار به..

لابد أن تصل لغة الحقيقة إلى الجميع : لا خروج من هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية إلا بالعمل وبمزيد العمل وبرفع مستوى الجودة والإنتاجية فيه وباكتساح الأسواق الداخلية والخارجية وبتحصين الآلة الإنتاجية عن كل اضطرابات خارج ما يعتمل داخل المؤسسة الاقتصادية وبان نثمن النجاح والتميّز لا أن نجرّمه ..

لابد أن نقول لكل عاطل عن العمل نتفهم حرقته على واقعه وانسداد الأفق أمامه اليوم ، بان الاحتجاج الدائم لا يخلق ثروة ولا يوفر فرصة عمل وانه مطالب ككل التونسيين بالكدح والاجتهاد وتحسين تشغيليته والبحث عن كل سبل الرزق الحلال .. فسعيه هذا هو خلق للثروة وهو لبنة يضعها في نمو البلاد وتنميتها ..

سحب كثيفة تملأ سماء تونس اليوم تفقد الحليم منا صبره..ولكن عناصر القوة موجودة في البلاد بعضها نستمدها من تاريخنا القديم وبعضها من مكاسب دولة الاستقلال وأهمها من ثورة الحرية والكرامة..

بإمكان تونس أن تصبح بعد عقد من الزمن سويسرا إفريقيا والعالم العربي .. يكفي أن يصدق منا العزم وان نتخلص من لوبيات الفساد وان نشمر جميعا عن ساعد العمل ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115