ورغم تناقض تسريبات يوم أمس بين من يدّعي وجود اتفاقية «سرية» بين الشاهد والطبوبي لإقالة «مؤجلة» للوزير وبين تكذيب المعنيين بالأمر لها ثم انتهاء الهيئة الإدارية للتعليم الثانوي التي امتدت على يومين كاملين دون اتخاذ القرار القطعي بمقاطعة الدروس ولكن بالدعوة لانعقادها من جديد بعد أسبوع فقط وفشل (؟) قيادة الاتحاد في إقناع الهيئة الإدارية بتجنب التصعيد وسط وعود لا يعلم حقيقة فحواها ومضمونها..
وتتواصل عناصر «التراجيديا» غير اليونانية بما يبدو بأنه مراجعة القصبة لقرارات تأديبية ضدّ مديري المعاهد الثانوية اتخذتها وزارة التربية..ويتواصل الغموض إلى حين عودة الهيئة الإدارية للتعليم للانعقاد يوم السبت القادم وتنسيقها مع النقابة العامة للتعليم الأساسي وهدف الجميع كما بينوه في أكثر من مناسبة لا بديل عن إيجاد بدائل للناجي جلول وفق الشعار المركزي لهذه التراجيديا التي يريد لها البعض أن تصبح ملحمة : « لا دراسة لا تدريس لا حلول مع بقاء الناجي جلول»..
في التراجيديا كما هو معلوم لا وجود لحلول مرضية..بل كل المخارج مأساوية ..ولن يخرج احد سالما من هذا الصراع المستفحل..
لسنا ندري ماهي غاية الغايات عند قياديي نقابتي المربين حتى في صورة رحيل ناجي جلول ؟ فهل يتصورون أن هنالك حكومة واحدة جدية تقبل بصفة دائمة «تسييرا مشتركا» مع النقابات ؟ وهل يتصورون بأنه بالإمكان في دولة ديمقراطية إعطاء حق الفيتو للنقابات ؟ ! ثم هل يعتقدون أن المركزية النقابية ستقبل بنقابات عامة خارجة عن سيطرتها بالكامل ولديها سياسة لا تندرج في إطار منظومتها العامة؟
ماذا ينتظر هؤلاء القياديون في نقابتي المربين من خَلَفِ ناجي جلول القادم لا محالة اليوم أو غدا؟ الصمت المطبق وتطبيق تعليمات النقابات؟ الإذعان لرأي النقابات في التعيينات والنُّقَل؟ وفي السياسات والإصلاحات؟ وان حاد الوزير القادم قيد أنملة عن هذا فالعودة إلى الإضرابات ؟ ثم المطالبة بإيجاد «بدائل» جديدة؟ !
ولكن هل فكّر هؤلاء القياديون في الانعكاسات الميكانيكية المباشرة لهذه «السطوة» التي جاوزت الحدّ المقبول من قبل جزء هام من المجتمع؟ إنهم يمهّدون بوعي أو بدون وعي لسياسيين سيجعلون من كسر شوكة اتحاد الشغل برنامجهم الأساسي على شاكلة المرأة الحديدية مارغريت تاتشر..
لا يشّك احد في الأخطاء الكثيرة لناجي جلول وزير التربية وفي حبه المفرط أحيانا للظهور وفي استعماله لألفاظ فيها استفزاز واضح وللعب ورقة «الرأي العام» على حساب الهياكل المهنية والنقابية..ولكن هل أنّ لسعد اليعقوبي سالم من الأخطاء ؟ هل أنّ عباراته سالمة من الاستفزاز والتجريح؟ بدءا باتهام وزير الصحة السابق سعيد العايدي بأنه «المقيم العام» الفرنسي وانه عليه العودة إلى « بلاده» فرنسا ثم اتهامه لجزء من الإعلاميين بأنهم مأجورون وأخيرا، وليس آخرا، في استعماله لعبارات حربية ليست أقل استفزازا من العبارة الوحيدة المعابة على وزير التربية « لو كان وخّرنا عليهم في الشهريات يجيبونا بالسلاح ؟» عندما يتكلم عن وزير التربية ومسانديه ويصفهم بالأعداء..نعم الأعداء!!
يقول الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ مستعيدا الحكم القديمة لبلاده : لا تهاجم عدوا من الجهات الأربع لأنك ستدفعه بذلك إلى الشجاعة القصوى ..
اليوم التصعيد الكلي لنقابتي المدرسين لم يجعل ،كما يقال، للصلح مكان ..وحتى تدخل الأمين العام للمنظمة لم يسمح بتهدئة الأجواء..
كل تراجيديا لا تنتهي إلا بنهاية مأساوية لأبطالها ..حرب بلا أفق وصراع بلا حلّ..
ولكن في النظام الديمقراطي خلقنا حلولا جديدة نستعيض بها عن النهايات الهوميرية ..الاستقالة..
ترى لم لا نرى استقالة مزدوجة لجلول واليعقوبي والقمودي حتى لا يتم توريث معارك وصراعات السلف للخلف..