في جانب آخر من البلاد أساتذة غاضبون يطالبون برحيل وزير التربية لأنه أهان المربين حسب ما يرون ونقابيون يتهمون جزءا من الإعلام بالعمالة ويسمون الحكومة كلّها بالخيانة مادامت هي حكومة صندوق النقد الدولي !!!
ويمكن أن نعدد صورا أخرى عديدة اقتحمت بقوة مشهدية حياتنا اليومية في الطرقات والأحياء السكنية ومواطن العمل ..وكلّها تنضح عنفا ونوايا تدميرية للذات وللآخر..
الأمثلة التي ذكرناها ليست من قبيل الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه بل هي عامة في كل ملاعبنا وفرقنا الرياضية وفي كل القطاعات المهنية وفي محيطنا اليومي المباشر..وعنف الخطاب والفعل والمطالب والشعارات والتصريحات إنما يؤشر على انفلات عام للمشاعر العدوانية العنيفة القابعة في كل ذات بشرية والتي يتولى المجتمع المنظم تهذيبها وترويضها ..
فما يحصل في تونس من عنف يومي وفي كل مجالات الحياة إنما يدل على بداية تفكك هذا «المجتمع المنظم» أي الدولة في التحليل الأخير..فالدولة هي التي تستأثر لنفسها بأغلب الكمّ من العنف وتحويله من «حرب الكل ضد الكلّ» إلى « عنف شرعي» يحمي السلم الأهلية ويردع شذرات العنف الاجتماعي ..
ومن هذه الزاوية يكون ما يحصل في تونس علامة قوية على ضعف رمزية الدولة عند كل فئات المجتمع ولجوئها المتنامي لافتكاك ما تعتبره حقها بأياديها..
ما يغيب عن كل هذه «القبائل» المتناحرة وعن هذه «الذئاب المنفردة» أن انتشار العنف ، بكل أصنافه، بين المجتمع هو إيذان بالخراب العام ولن تنجو من الفوضى غير الخلاقة المنجرة عن هذا العنف أية «قبيلة» وآية مجموعة من المصالح..
اللوم كل اللوم يقع اليوم على نخب البلاد وقادة القرار فيها بالمعنى الواسع للكلمة..زعماء «القبائل» هذه – ولا نستثني أحدا – يتحملون مسؤولية لا نعتقد أنهم يقدّرون أثارها على بناء مجتمع منظم فيه سلطة محترمة وقانون مهاب ..
إنّ الذي يتمرّد ويتحدى «القبيلة» المنافسة أو المجاورة إنّما يهيئ لعناصر التمرّد ضدّ سلطته الوهمية ويؤسس فعلا لحرب الكل ضدّ الكل وعندها تتهاوى كل الرؤوس وكل الزعامات التي تحاكي ،زهوا، صولة الأسد..