على خلفية عملية ليّ الذراع بين اتحاد الشغل والحكومة: عندما نمهّد للشعبوية التسلطية !!

عملية ليّ الذراع بين الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي ووزير التربية ناجي جلول متواصلة وكأننا في محطة من محطات تلك الحروب القديمة التي تستمر عقودا وعقودا وينوي كل طرف فيها توجيه الضربة القاضية لخصمه أو إجباره على مغادرة ساحة الوغى ..


من نافلة القول التذكير بمآثر اتحاد الشغل وبأدواره الوطنية الاستثنائية على امتداد أكثر من سبعين عاما وآخرها إنقاذه البلاد بمعية شركائه في الحوار الوطني سنة 2013 من أتون حرب أهلية .. ولكن التقدير والحب والاحترام لا يمنع من الإشارة إلى المنزلق الخطير الذي نشاهده أمام أعيننا : إمّا إقالة وزير التربية أو سنة بيضاء؟!

لا أحد يجادل في حق المنظمة الشغيلة في إبداء رأيها في السياسات العمومية التي تتعلق بمنظوريها إما بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة ولا أحد أيضا يجادل في حق النقابيين في تقييم بعض المسؤولين أو إبداء ملاحظات بشأن قراراتهم ولكن هل من حق المنظمة الشغيلة المطالبة بإقالة وزير وبخوض تصعيد بشان هذا المطلب يرتهن السنة الدراسية الحالية بأكملها ؟
لا نريـد أن ندخـل فـي جـدل تاريخـي ومؤسساتـي وقانونـي حول ما يجـوز ومـا لا يجـوز للنقابـات ولغيرها ممّا يسمـى بالمنظمـات.

Les corps intermédiaires
ولكنّنا نريد أن نحتكم إلى المنطق السليم البسيط : من سيربح من عملية لي الذراع هذه ؟ !

ولنفترض الحالتين الممكنتين :
- قبول الحكومة بالشرط النقابي وإقالة وزير التربية.. كيف ستتصرف الحكومة فيما بعد في مجالي التعيينات والسياسات ؟ وكيف ستتمكن من فرض هيبتها على منظوريها بداية وعلى بقية المجتمع ثانية ؟ ولم لا تسمح لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بالمطالبة بإقالة وزير التجارة أو وزير التنمية ولم لا تسمح أيضا لاتحاد الفلاحين بنفس الحرية مع وزير الفلاحة ولرابطة حقوق الإنسان مع وزير حقوق الإنسان والهيئات الدستورية والنقابات الأمنية مع وزير الداخلية ؟..
ألا يتصور قادة المنظمة الشغيلة أن انتصارهم على الحكومة هو هزيمة لهم وللحكومة معا ؟
لأن كسر عظام الحكومة آيا كانت هذه الحكومة سيكون مفتاحا لكل التجاوزات في المجتمع ولصعود النزعات الشعبوية المطالبة بسلطة قوية لإعادة البلاد إلى العمل .. سلطة العصا الغليظة التي يهابها الجميع ولا تتفاوض مع احد .. ثم لا ينبغي أن يخفى على قيادات ساحة محمد علي أن الصورة العامة للنقابات ليست جيدّة وان هنالك تيارا بصدد الصعود من أعماق المجتمع معاد لاتحاد الشغل ويدعو صراحة إلى الحدّ من الحق النقابي باعتباره شططا مضّرا بالبلاد..

- ثم لنفترض أن الحكومة لم ترضخ لاتحاد الشغل وللنقابة العامة للتعليم الثانوي فماذا سيحصل يا ترى ؟ سنة بيضاء لحوالي مليوني تلميذ ؟
وكيف ستتفاوض المركزية النقابية في بقية الملفات الأخرى كإصلاح الوظيفة العمومية ومنظومة التقاعد؟.. وكيف ستتعامل الحكومة واتحاد الشغل مع سائر المواطنين الذين يجدون فلذات أكبادهم رهائن في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل ؟ ألا تخشى الحكومة واتحاد الشغل من انتفاضة عامة للأولياء ضدّهما ؟
إلى أسابيع قليلة كان بالإمكان القول بان الصراع بين نقابات التعليم ووزير التربية مسألة قطاعية وأحيانا شخصية أما الآن فقد أصبح مطلب إقالة وزير التربية مطلب المركزية النقابية بأسرها وهي ستتحمل مسؤولية كل «المكاسب» و»الخسائر» في هذه المعركة ..
ثم، وهذا مهم أيضا، عملية ليّ الذراع بين الحكومة واتحاد الشغل ستجعل كل الديمقراطيين في حرج كبير .. مع من سيقفون ؟ وكيف يتصرفون إزاء معركة يعتقد جلّهم بأنها مضرة بالبلاد وبالمسار الديمقراطي الذي لم يصلب عوده بعد ؟
أخشى ما نخشاه أن توضع تونس أمام اختبار هي ليست مهيأة له تماما .. لأنه لا يوجد عاقل واحد يتمنى هذه المنازلة بين الحكومة واتحاد الشغل .. منازلة ستضعف الاثنين معا ولن يخرج منها رابح واحد .. منازلة تعطي حججا كبيرة لكل أولئك الذين يحلمون بعودة سياسة العصا الغليظة..
في الأثناء لن يضع تونسي واحد أبناءه في المدرسة العمومية إلا مكرها ومن قلة ذات اليد ولا احد سيهتم بالإصلاح الجذري والعميق والضروري لمنظومتنا التربوية ولن ينظر إلينا مستثمر واحد بعين الجدية..
فما هو أخطر من معركة إقالة وزير التربية هو الصورة التي نحن بصدد بنائهاعن أنفسنا : تونس بلد الاحتجاج الدائم والانقسام المستمر..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115