قد يرى بعض خصوم رئيس الدولة أنّ هذه المبادرة تهدف إلى تلهية الرأي العام عن إخفاقات السلطة الحالية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والاستعاضة عنها بـ«انجازات» مجتمعية لا تعني إلا النخب الحضرية الضيقة..
قد تكون بعض هذه الاعتبارات حاضرة في حسابات رئيس الجمهورية ولكن لا يمكن ألا نقف عند الأهمية الحضارية القصوى لهذا الإعلان إذ به قد تكون تونس الدولة العربية الوحيدة التي لم تنجح فقط في إرساء نظام ديمقراطي تعددي يحترم الحريات العامة ولكن أيضا يتأسس على تلك الساق الثانية التي عادة ما قزمتها جلّ النخب العربية وهي الحريات الفردية .. لأنّ الإجماع الحاصل عند المثقفين العرب على ضرورة الدفاع عن الحريات العامة لم يصاحب إلى حدّ الآن بإجماع مماثل حول ضرورة أن تتأسس الديمقراطية في البلدان العربية على الحريات الفردية كذلك فبعض النخب الاسلاموية والعروبية تعتبر أن الحريات الفردية مدخل للتغريب وللمساس من الهوية العربية الإسلامية كما ساندت جل النخب اليسارية الحريات الفردية من حيث المبدأ ولكنها لم ترد أن تتورط في التفاصيل خشية الاصطدام مع بعض العادات والتقاليد الشعبية ..
ولكن الصعوبات الفعلية تبدأ عندما نتجاوز مستوى المبادئ العامة إلى التفصيل والتنزيل القانوني بدءا بتعريف مجالات الحرية المرتبطة بالفرد كفرد ثم سبل حمايتها قانونا وعلاقة كل ذلك بالأخلاق الاجتماعية والقيم الدينية..
هناك صعوبة في تحديد دقيق لمعنى الحريات الفردية لاسيما في المجالات الخلافية المرتبطة بحرية الفكر والتعبير وبحرية السلوك الفردي..
لدينا بعض الفصول المتناثرة في الدستور في باب «المبادئ العامة» و«الحقوق والحريات» يمكن أن تشكل الإطار العام لمجلة الحريات الفردية ولكن التفصيل القانوني هو الذي سيطرح إشكالات فلسفية وأخلاقية واجتماعية كبرى لم تتمكن إلى حد الآن أيّة نخبة عربية من تجاوزها..
ففي الفصل السادس من الدستور نجد أن الدولة «كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية» ولكن كيف نوفق بين هذه الجملة والجملة التي تسبقها في نفس الفصل «الدولة راعية للدين» ؟ وهل نتحدث هنا عن الدين بإطلاق أم نتحدث تخصيصا عن الدين الإسلامي؟
بعبارة أوضح كيف سنؤطر القانون المنتظر لتونسي اعتنق ديانة أخرى أو تبنى موقفا فلسفيا لا دينيا .. فهل تضمن «مجلة الحريات الفردية» حق هذا المواطن في التعبير عن آرائه .....