المنصف المرزوقي وسياسة جلد الذات: عندما يهين الرئيس الأسبق شعبه ونفسه

• نسيج من الافتراءات والتناقضات
أثارت تصريحات رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي على قناة الجزيرة في برنامج «المقابلة» سخط وحنق العديد من التونسيين وأصبحت الموضوع الأول في شبكات التواصل الاجتماعي ..

ما لفت انتباه التونسيين هو فقط اقل من دقيقة من جملة خمسين دقيقة مدّة الحلقة الأولى من اللقاء..

في هذا المقطع الذي أثار غضب جلّ التونسيين يصف المنصف المرزوقي الشعب التونسي الذي غادره سنة 1961 باتجاه المغرب ثم فرنسا ليعود إليه سنة 1979 بأقذع النعوت : محسوبية ورشوة وعمل سيء وكذب ونفاق وخداع ..
وكل هذا بالطبع بعد أن قضى 15 سنة بفرنسا حيث وجد كل الأخلاق الكريمة ثمّ لما عاد لتونس سنة 1979 صُدِم بما وجده من انحلال أخلاقي عام .. ويعيد الرئيس السابق هذا الوضع لا إلى «جينات» التونسي بل إلى النظام السياسي أي النظام البورقيبي .. أمّا

التونسيون الذين يعيشون في فرنسا، كحاله هو ،فقد كانوا نموذجا لـ «مكارم الأخلاق».. حالهم كحال بقية المجتمع الفرنسي!!

والمرزوقي لم يتحدث في هذه الثواني عن منظومات فاسدة في تونس فيها رشوة وفساد ومحسوبية ولا عن مرتشين وفاسدين بأعيانهم .. ولكنه تحدث عن المجتمع التونسي وعن التونسيين الذين «اصطدم» بهم عند عودته إلى بلاده سنة 1979..

غني عن القول بان لا المرزوقي ولا غيره من البشر قد تعرف شخصيا على كل التونسيات والتونسيين في نهايات سبعينات القرن الماضي ولا كذلك على كل «التوانسة» الذين كانوا آنذاك مقيمين بفرنسا .. ولكنه يسمح لنفسه بوصف كل بني بلده، أو غالبيتهم الساحقة على الأقل ، بكل مساوئ الأخلاق ولكن حين يتحدث عن والدته فإنه يصف تضحيتها بلا حساب لفائدة ابنها ويقول إنّها كسائر الأمهات في تونس وفي الوطن العربي ..

ولكن أمهاتنا نحن اللواتي اصطدم بهنّ الرئيس الأسبق إثر عودته إلى تونس هل كنّ كأمّه أم تفشت فيهن أخلاق الكذب والنفاق والغش والخداع؟ ! وآباؤنا وإخوتنا وأساتذتنا وسائر مواطنينا ؟ هل كانوا جميعا أقل حظّا في مكارم الأخلاق من عائلته هو ؟ هل كان آباؤنا أقل أنفة وشهامة من والده لأن جلّهم لم يكونوا من اليوسفيين ؟

هل أن الأجيال التي بنت دولة الاستقلال وتلك الفيالق من المعلمين والأطباء والموظفين الذين جابوا البلاد طولا وعرضا لإرساء المدارس والمستشفيات والإدارات .. هل كان كل أولئك من سفلة الناس ؟ من الكذابين والغشاشين والغادرين والمرتشين ؟
المرزوقي لم ينسّب ولم يقل ولا مرّة واحدة بأن الفساد بدأ بتسلل إلى المجتمع ولكنه تحدث بتعميم إطلاقي وتحدث عن «المجتمع التونسي» وعن «التونسيين» ..
والغريب أن الذي يشاهد هذه الحلقة الأولى من برنامج «المقابلة» في قناة الجزيرة يدهش من قدرة هذا «المثقف» على الجمع بين تناقضات لا تستقيم في عقل واحد.

- فتونسيو تونس كلهم سيؤو الأخلاق ومن أرذل الناس.
- والدته امرأة فاضلة كجلّ التونسيات.
- بورقيبة مستبد عادل لم ينزل البتة إلى الأخلاق الخسيسة بدليل انه منحه جائزة في الطب.
- الانحلال الأخلاقي ليس في «جينات» التونسي بل هي لوثة النظام السياسي..

كل هذا ونحن نتحدث عن صدمته سنة 1979 عندما عاد إلى تونس..

كيف نوفق بين كل هذه المعطيات ؟
شعب سيء الخلق وأمهات تتفانين في التضحية وسوء الخلق من النظام السياسي ولكن النظام السياسي المستبد آنذاك كان يتعفف عن القذارات التي أقدم عليها بن علي ؟ !
ثم المرزوقي يتحدث في قناة عربية تشاهد في جلّ البلاد الناطقة بالضاد..

ترى أي إشهار مجاني هذا لتونس !!
فبعد أن اتهم الرئيس الأسبق أبناء بلده بالضلوع في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في جريدة «لوموند» الفرنسية» في مقال وقّعه باسمه وليس في تصريح إعلامي ثم سعى بعد ذلك جاهدا لإقناعنا بأن جملة قد سقطت سهوا ولكن هذه الجملة التي كتبها بالفرنسية على صفحته الخاصة لا تعلي أبدا من شأن بلاده حيث قال فيها «ومن حسن الحظ أن التونسيين لم يفجروا مركز التجارة العالمية في أحداث 11 سبتمبر»

ها انه يشنع بأخلاق شعبه أمام كل العرب ..
ترى هل يجرؤ المرزوقي على الحديث عن أخلاق القطريين أو الأتراك مثلا ؟!
لا نعتقد أننا أمام خطاب سياسي يرد عليه حجّة بحجة بل نحن أمام جلد ذاتي واحتقار مرضي للشعب التونسي الحقيقي المستعاض عنه بـ «شعب» مثالي لا يوجد إلا عند «التوانسة» الذين لا يعيشون في بلادهم..

إنه كمن يشهر بأخيه أو بأخته أمام الجيران والأصدقاء حتى يقول إنه بريء من عائلته وإنه ليس من طينتها ..
وكيف لمن لا يحب مواطنيه الحقيقيين مهما كانت عيوبهم أن يجد في قلبه مكانا لحبّ البلاد ؟!

ولعل المرزوقي لا يعلم إلى الآن بأن من يحتقر بني جلدته وأهله وذويه إنما لديه إشكال عميق مع ذاته بداية لا مع الآخرين ..

لايشّك إنسان سويّ واحد في وجود ما يسميه العرب القدامى بالمثالب أي مساوئ الأخلاق في كل مجتمع ولكن الاعتقاد بأن دولة الاستقلال على مساوئها، قد جعلت من التونسيين بعد عقدين من الزمن فقط كهؤلاء الذين صورهم المرزوقي فهذا جلد ذاتي ونقمة على الأهل وذوي القربى..

انه عين الاستيلاب والخروج عن التاريخ والجغرافيا معا ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115