وهذا ما يفسر جزءا من القرارات التي اتخذتها الحكومة مساء أول أمس (انظر «المغرب» ليوم أمس)...
واليوم يبدو أن هنالك تيارا غالبا داخل الأحزاب السياسية للمطالبة بسنّ قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني باعتباره الحد الأدنى من الرد الشعبي والرسمي على الاعتداء الإسرائيلي، مرة أخرى، على حرمة ترابنا وسيادتنا الوطنية...
والسؤال الذي ينبغي طرحه اليوم هو: هل أنّ سَنّ قانون لتجريم التطبيع هو الرد الأنسب، تونسيا، على إرهاب الدولة العبرية أم لا؟
لا شك أنه لو عرضنا قانونا كهذا على الاستفتاء العام لحظي بشبه إجماع... ونحن لا نرى قوة سياسية أو اجتماعية واحدة في البلاد تهادن الكيان الصهيوني أو تطبّع معه فهذا حاصل حوله إجماع في تونس وإن اختلفت طرق التعبير عنه...
عندما تم رفض مقترح تضمين تجريم التطبيع في الدستور التونسي تم تقديم حجة شكلية وهي عدم تضمين اسم أية دولة أو كيان آخر في الدستور غير تونس... ولكن نعلم جميعا أن دواعي الرفض كانت غير هذه المعلن عنها إذ كان التنصيص على تجريم التطبيع في الدستور سيضعنا في حرج كبير مع الغالبية العظمى من الدول الغربية...
نعود بأكثر دقة لمفهوم التطبيع ذاته... فماذا نقصد به؟ لا شك أن التخابر مع دولة إسرائيل أو العمل لفائدة مخططاتها مجرّم قانونا وتصل العقوبة في هذه الحالة إلى الإعدام... وهذا بالطبع لا يخص إسرائيل وحدها بل ينسحب على كل دولة أجنبية.
فالتطبيع لا يطال التخابر بل يُقصد به كل علاقة من أي صنف كانت يكون أحد أطرافها شخصا حاملا لجنسية إسرائيلية حتى وإن كان مما يسمى بعرب إسرائيل أي الفلسطينيين الذين قبلوا سنة 1948 بالبقاء في فلسطين بعد احتلالها بالكامل من قبل الصهاينة مقابل حمل الجنسية الإسرائيلية فيما تم تهجير الذين رفضوا ذلك...
إذن تجريم التطبيع الذي نتحدث عنه اليوم لن يطال سوى بعض الفنانين أو الأكاديميين أو المواطنين أو الرياضيين الذين وجدوا أنفسهم برغبة منهم أو بغير علم في البداية مع أشخاص حاملين لجنسية إسرائيلية ولم يقاطعوا هذا النشاط...
هؤلاء وأشباههم فقط هم الذين سيُطبق عليهم قانون تجريم التطبيع....
أما أعوان المخابرات الإسرائيلية المباشرين أو غير المباشرين من التونسيين فهؤلاء سيطبق عليهم القانون الجزائي الذي يقضي بخيانتهم لوطنهم وكما أسلفنا تصل العقوبة هنا إلى الإعدام...
ثم ها نحن نجد من بين المتحمسين لسن مثل هذا القانون، كالأستاذ عدنان منصر الأمين العام لحراك تونس الإرادة، من يميز بين المؤتمرات العلمية وبين اللقاءات الفنية أو الرياضية... فالحضور في الأولى، حتى وإن كان فيها إسرائيليون، ليس تطبيعا بينما الحضور في الثانية والمشاركة فيها هو تطبيع...
ويمكن أن ندفع بالتساؤلات إلى مستوى ثان: هل سنعتبر من يتعامل مع هيئة أو جهاز أو مؤسسة تطبّع مع إسرائيل مطبّعا أم لا؟
ولمزيد التوضيح: بعض ساستنا اليوم المنادون بتجريم التطبيع، كرئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي، قد اعتبر حينما كان في قرطاج أن من يمس من «هيبة» دولة قطر فسوف يتم التصدي له... وهل هنالك دولة عربية طبّعت مع إسرائيل أكثر من دولة قطر؟ وهل هنالك قناة تلفزية عربية طبّعت مع إسرائيل أكثر من قناة الجزيرة التي كانت أول قناة عربية تعطي الكلمة في برامجها الحوارية والإعلامية لمسؤولين سياسيين أو عسكريين إسرائليين؟؟...
فلمَ يُمجّد بعض دعاة تجريم التطبيع أول قناة مطبّعة مع إسرائيل؟!
أفليس التطبيع مع المطبعين نوعا من أنواع التطبيع؟!
ثم نحن نعلم أن جل القنوات الإخبارية العربية المشرقية تدعو، كما الجزيرة، في بعض برامجها ضيوفا من إسرائيل... ترى فما سيكون حكمنا على العاملين في هذه القنوات من التونسيين؟
فهل سنعتبرهم مطبّعين لأنهم، في إطار مهنتهم، سألوا مسؤولا إسرائيليا عن موضوع ما؟
ونأتي لمسألة أكثر حساسية في تونس وهي موسم الحج إلى ....