في عالم الدول الصناعية الكبرى عندما نما التهرب الضريبي - بنسب لا تقارن مطلقا بما يجري عندنا - لجأت الحكومات وفي توافق سياسي تام إلى جملة من الاجراءات تجرّم هذا التهرب وتفرض على كل الملاذات الجبائية الانصياع الى قواعد لعب مشتركة وإلا كان مآلها العقوبات الاقتصادية... ومن أهم هذه القواعد رفع السّر البنكي أمام سلط الجباية والديوانة والبنوك المركزية ووحدات البحث الأمنية والقضائية وغيرها... أما عندنا فنسمع بعضهم يردد بأن السّر البنكي هو من «حقوق الانسان» المكفولة في الدستور (نعم هكذا !).
وترى نفس هؤلاء الأشخاص ( من حركة النهضة وكذلك من عدة حلفاء لها بالأمس واليوم) يضعون أشد القيود على هذا الاجراء الذي أصبح عاديا في كل الدول الديمقراطية حتى يفرغوه من مضمونه ويصبح غير ذي فاعلية في مقاومة الفساد والتهريب والتهرّب الضريبي...
وحجة هذه الأطراف المتحالفة مصلحيا مع حركة النهضة الأمس أو اليوم بأن رفع السّر البنكي يمكن أن يؤدي إلى «تغول» ادارة الجباية وبالتالي إلى نوع من «الابتزاز» بالنسبة للمواطن...
نفس هذا الموقف كانت قد عبّرت عنه الحركة الاسلامية في صائفة 2014 بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية التكميلي الذي أعدته حكومة المهدي جمعة... وانتهى «التوافق» حينها إلى اقرار شكلي لرفع السّر البنكي اذ حُصر فقط في في حالة المراجعة الجبائية المعمقة وبطلب «معلل» من ادارة الجباية وباذن قضائي لا يتجاوز في كل الحالات 72 ساعة...
بعبارة أخرى مُنعت ادارة الجباية من عنصر أساسي وهو رفع السّر البنكي في حالة وجود شبهة وأن يكون هذا الرفع أداة لاثبات أو لنفي وجود عمليات مالية مسترابة...
ولكن الغريب في كل هذا هو التجاهل المتعمد للتجارب العالمية لمحاربة التهرب الضريبي ولكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالرفع الآلي للسّر البنكي لا داخل بلد بذاته بل في إطار التعاون الدولي بما يجعل الحسابات البنكية لشخص ما أو لمؤسسة ما مكشوفة لدى كل السلط العمومية للدولة الممضية على هذه المعاهدات.
لا نريد أن نقول أن حركة النهضة وحلفاءها القدامى والحاليين هم من الفاسدين أو من حماة الفاسدين... نريد أن نقول فقط بأنهم يرفضون بمواقفهم هذه إعطاء......