قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة: رسالة الشعوب تُدوّي عاليا

لم تعد قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة مجرد مبادرة شعبية عابرة

بل تحولت إلى اختبار حقيقي للأنظمة العربية، ورسالة قوية من الشعوب تدل على عمق تضامنها مع الفلسطينيين. القافلة التي انطلقت من تونس، وتقطع طريقها في اتجاه معبر رفح على الحدود المصرية، ليست مجرد رحلة إغاثة، بل تعبير صريح عن إرادة شعبية عربية ترى في كسر الحصار عن غزة واجبًا أخلاقيًا وضرورة إنسانية.

وعلى مدار عقود، شهدت الشعوب العربية شعارات كثيرة تدعو إلى التضامن مع القضية الفلسطينية، لكن غالبًا ما بقيت هذه الشعارات حبيسة الخطابات الرسمية دون ترجمة فعلية على الأرض. أما اليوم، فإن قافلة الصمود تعيد طرح التضامن بشكل مختلف، من خلال فعل ميداني وشعبي يعكس رغبة حقيقية لدى الشعوب في المشاركة والضغط على الأنظمة التي تتردد في اتخاذ مواقف واضحة وفعالة.

وهو ما برز في مسار القافلة التي انطلقت يوم الاثنين الفارط من تونس العاصمة ورمت على عدة مدن في مسارها الذي بلغ مرحلة ليبيا، لتكشف عن عمق الارتباط الوحداني للشعب التونسي والليبي مع القضية الفلسطينية، بما يعكس دلالات رمزية مهمة تجددت مع كل محطة توقفت فيها رحلة القافلة التي شهدت استقبالًا جماهيريًا حاشدًا، يؤكد أن هذه المبادرة ليست فردية أو محلية، بل تعبر عن حالة تعاطف عربي أوسع، تعكس رغبة الشعوب في تحمل المسؤولية تجاه فلسطين. هذا التضامن الشعبي يرسل رسالة واضحة بأن الشعوب لا تقبل أن تبقى القضية الفلسطينية رهينة المواقف الرسمية الضعيفة أو المترددة.

لتضع القافلة بذلك الأنظمة العربية أمام امتحان حقيقي. ففي وقت تصمت أو تتردد فيه العديد من الأنظمة العربية عن اتخاذ خطوات جريئة، تظهر هذه المبادرة الشعبية كصوت مختلف يتحدى الخطاب الرسمي ويطالب بالتحرك الفعلي. هذا الحراك الشعبي يمكن أن يتحول إلى ورقة ضغط قوية تجبر الحكومات على إعادة النظر في مواقفها، خاصة في ظل التصعيد المستمر للحرب والحصار الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة. فالقافلة ليست فقط رسالة تضامن، بل أداة ضغط شعبية قادرة على تحريك المياه الراكدة وفرض حراك عربي حقيقي يهدف إلى إنهاء الحصار وإيقاف العدوان.

خاصة وأن هذه القافلة أصبحت ظاهرة تواصلية تتجاوز الحدود الجغرافية. فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تمكن مواطنو دول المنطقة من أن يكونوا شركاء افتراضيين في هذه الرحلة التي تحظى بمتابعة قل نظيرها على منصات التواصل الاجتماعي، التي أتاحت انتشار أخبار القافلة ومنحتها زخمًا تجاوز به المشاركة الفعلية لتضم مئات الآلاف، بل والملايين من المتابعين الذين باتوا جزءًا من هذه الرحلة عبر مواكبة يومية لأخبار القافلة، لنكون أمام حالة من التضامن الشعبي المادي والافتراضي الذي عبر الحدود، وعكس الارتباط بين شعوب المنطقة والفلسطينيين في غزة، وهو ما يزيد من الضغط على الحكومات لتقديم مواقف تتوافق مع رغبات شعوبها.

فالقافلة التي تمثل فعلًا جماهيريًا يعبر عن إرادة شعبية صادقة في نصرة القضية الفلسطينية، وتنتقل بالتضامن مع غزة من شعار يتكرر في المناسبات إلى حراك ومطلب جماهيري تتحرك من أجله آلاف الأشخاص إما للمشاركة أو لمرافقة القافلة في رحلتها، في إعلان صريح بأن الشعوب باتت ترفض أن يبقى الفلسطينيون في غزة معزولين ومحاصرين، وتدل على تصميم على كسر هذا الحصار بكل الوسائل الممكنة.

وهو ما يجعل من قافلة الصمود أكثر من رحلة إغاثية أو حملة تضامن، فهي اختبار للأنظمة العربية أمام شعوبها، ورسالة واضحة بأن الشعوب مستعدة لأن تكون طرفًا فاعلًا في تغيير الواقع المأساوي في غزة. وإذا ما نجحت هذه المبادرة في تحريك الفعل الشعبي على نطاق أوسع، فإنها قد تشكل نقطة تحول حقيقية نحو إنهاء الحرب وكسر الحصار، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة العمل العربي الجماعي.

لذا فإن قافلة الصمود، التي انطلقت من تونس، تتجاوز كونها مجرد وسيلة لكسر الحصار المادي عن غزة، لتصبح محاولة عميقة لكسر الحصار النفسي الذي فرضته سنوات طويلة من الإحباط والعجز. إنها رسالة أمل قوية موجهة للفلسطينيين، مفادها أنهم ليسوا بمفردهم في معركتهم، وأن الشعوب تتضامن معهم رغم كل محاولات إخمادها وتغييبها. إنها تؤكد على أن القضية الفلسطينية لا تزال حية في ضمير شعوب المنطقة القادرة على ابتكار أشكال جديدة من المقاومة السلمية، حتى في أحلك الظروف وأكثرها تعقيدًا. القافلة بهذا المعنى، هي أكثر من مجرد قافلة إغاثة، إنها حركة تحررية شعبية تعيد تعريف مفهوم التضامن والمقاومة. إنها تذكير بأن التاريخ لا يصنعه الحكام وحدهم، بل تصنعه الشعوب بإرادتها وتصميمها على تحقيق العدالة والحرية

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115