قبل زيارة ترامب إلى الخليح: أخذ مسافة من الاحتلال مناورة أم تغير في الموازين؟

في ظل الحرب المستمرة على غزة والتي تجاوز عدد الضحايا المدنيين فيها اثنين وخمسين ألف شهيد،

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يحمل «مفاجأة» وذلك بالتزامن مع زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط، زيارة باتت تتخذ أبعادا سياسية مركبة، إثر ما تسرب من معطيات حول إمكانية طرح حل شامل لإنهاء حرب الإبادة على غزة، وهي الحرب التي وصفها ترامب صراحةً بـ«الوحشية».

مشهدٌ بات اليوم أكثر تركيبا وتعقيدا، تتداخل فيه العوامل السياسية والدبلوماسية بشكل متشابك، منذ نشر في الإعلام الأميركي تقارير تشير إلى أن ترامب قد يعلن، مع نهاية الأسبوع الجاري، عن مقترح لإنهاء الحرب التي تقترب من شهرها العشرين، والتي تحولت إلى نقطة توتر حاد بين إدارته وحكومة الاحتلال، مما يلقي بظلاله على تحالفهما الاستراتيجي غير المشروط.

الرئيس الأميركي، الذي ارتبط اسمه بالدعم المطلق للاحتلال، أصبحت إدارته لا تخفي اليوم خلافها المتصاعد مع حكومة نتنياهو، خاصة بعد استبعادها من المفاوضات المباشرة التي جرت مع حركة حماس والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق للإفراج عن أسير يحمل الجنسية الأميركية. وقد أعلن ترامب بنفسه في تدوينة على منصاته الرسمية، عن إتمام الصفقة، مثمنًا فيها خطوة حماس، ومشيرًا إلى ضرورة إنهاء هذه الحرب، التي وصفها بـ«الوحشية».

خطاب ترامب الجديد يعكس تحولًا ملحوظًا في الموقف الأميركي، من دعم غير مشروط إلى مقاربة حذرة بدأت تأخذ مسافة من الاحتلال الذي بات ينظر الى حكومته على انها تعيق وتعرقل خطط امريكا ومصالحها. تجاهل ترامب لزيارة الكيان، رغم مروره بجواره، قد يُقرأ كإشارة سياسية متعمدة تؤكد أن العلاقة أصبحت غير التي كانت سابقا وأن حكومة الاحتلال أصبحت عبئًا دبلوماسيًا على الحلفاء.

صفقة الإفراج عن عيدان ألكسندر تُقدَّم اليوم باعتبارها ورقة تحاول من خلالها إدارة ترامب إعادة تموضعها كـوسيط محتمل لإنهاء الحرب وذلك ضمن تصور أميركي يعتبر أن الإفراج عن الجندي «خطوة تثبت وجود سُبل للتفاوض إذا توفرت الإرادة»، كما ذكر ذلك ترامب، في إشارة إلى إمكانية الذهاب نحو صفقة تبادل أوسع، قد تكون مدخلا لإنهاء الحرب.

ورغم ما تحمله هذه الخطوة من إشارات، الا أنها لا تعني بالضرورة انقلابًا في الموقف الأميركي، ولا انتقالا نحو تبنّي حل الدولتين. بل إن الأقرب إلى الواقع أنها مناورة سياسية مدروسة، تسعى من خلالها إدارة ترامب إلى استكمال ترتيباتها الإقليمية، تمهيدا لاستئناف مسار التطبيع، سيما في ما يتعلق بإلحاق المملكة العربية السعودية بـ«الاتفاق الإبراهيمي»، وهي التي أعلنت صراحة أنها لن تطبع قبل وقف الحرب.

نحن اليوم إزاء مشهد معقّد، تتقاطع فيه الرهانات الأميركية بين خلاف معلن مع حكومة الاحتلال بشأن ملفات محددة – كالتصعيد البري في غزة أو مخرجات الاتفاق مع الحوثيين في اليمن – وبين سعي خفيّ لتكريس رؤية خاصة لإعادة ترتيب المنطقة، بما في ذلك مستقبل غزة بعد الحرب.

في هذا السياق، تتمسك واشنطن بتصور يختزل غزة في ملف إداري قابل لإعادة الهيكلة، إذا لم يكن ذلك مباشرة وتحت الوصاية الأميركية، سيكون بصيغ غير مباشرة، تكشفها خطة إدخال المساعدات وتوزيعها وفق آليات تحددها الإدارة الأميركية، أو من خلال هندسة منظومة الحكم الفلسطيني، واختيار الأطراف التي يمكن لها أن تلعب دورا وظيفيا في إدارة الشأن المحلي وضمان امن الاحتلال.

كل هذا يجعل من التطورات التي تسبق زيارة ترامب إلى دول مجلس التعاون الخليجي محل اهتمام بالغ، بعد أن كانت الزيارة مقررة لأغراض اقتصادية بحتة، لتتحول – بفعل التسريبات المتتابعة حول رغبة ترامب في إنهاء الحرب ورفضه لتوسيعها – إلى منصة سياسية لإعادة طرح السؤال الجوهري عن من يملك الحق في رسم مستقبل غزة؟ وأي دور تبقّى للقوى الكبرى بعد أن تورطت، بصمتها أو بدعمها، في السماح للاحتلال بأن يمعن في الإجرام دون حسيب ولا رادع؟

قد لا تكون كل أوجه الإجابة واضحة بعد، لكن المؤكد أن جزءًا هامًا منها بات معروفًا، وهو أن المقاومة الفلسطينية، اليوم، هي الطرف الأكثر فاعلية وتأثيرًا في صياغة مستقبل غزة، وأن أي تسوية ممكنة لغزة والمنطقة لن ترى النور طالما استمرت الحرب، والتي كشفت عن عمق النفاق الغربي، وأظهرت زيف الخطابات الأخلاقية التي طالما استخدمتها القوى الكبرى لتبرير تدخلاتها في الشرق.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115