الاحتلال يستأنف عملياته البرية: مصير غزة سيحدد مستقبل العالـم

يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يندفع بخطى محسوبة نحو إعادة رسم المشهد الميداني والسياسي في قطاع غزة،

مستبقًا بذلك الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط من خلال تصعيد عسكري وعمليات برية تحت مسمى «مركبات جدعون»، يحاول بها الاحتلال فرض وقائع جديدة على الأرض تمنحه اليد العليا في أي مسار تفاوضي مقبل، إذا تعلق الأمر بوقف الحرب أو بتحديد مستقبل القطاع الذي يرزح منذ أشهر تحت وقع حصار شامل فاقم من قسوته استئناف حرب الإبادة الجماعية.

مخطط الاحتلال، الذي صادق عليه «كابينت» الحرب، أعلن أن الهدف المُعلن من هذه العمليات العسكرية البرية «القضاء التام على حماس» واستعادة الأسرى، لكن ما يكشفه قادة الاحتلال علنًا يتجاوز هذه العناوين، اذ يهدف الى السيطرة العسكرية الكاملة أو على أجزاء واسعة من غزة، وذلك في إطار تصور يشمل دفع السكان قسرًا نحو الجنوب، وتهيئة الأرضية للتهجير القسري. ذلك ما أعلنه بوضوح وزير مالية الاحتلال سموتريتش.

هذه الخطة، التي وُضعت على الطاولة قبل أسبوع من جولة ترامب الإقليمية، تعكس رغبة الاحتلال في تقديم نفسه كصاحب اليد الطولى، القادر على فرض معادلات جديدة، ولو أن القضية الفلسطينية ليست مطروحة رسميًا على أجندة زيارة ترامب لكل من المملكة العربية السعودية وقطر. ويرغب الاحتلال يرغب في رسم خارطة المنطقة ومستقبلها وفق شروطه، التي يرسخها اليوم بعمليات إبادة جماعية في ظل صمت دولي وعربي.

و تُبيّن فوقائع الميدان اليوم أن الاحتلال، أن ما يمارس سياسة العقاب الجماعي ومنع دخول المساعدات للقطاع منذ أشهر، ويقصف المخيمات ومراكز الإيواء والمستشفيات وكل ما تبقى من آثار الحياة والبنية التحتية في المنطقة، يهدف إلى جعل القطاع منطقة لا يمكن العيش فيها. وهو يسعى اليوم، عبر الزحف البري مع قصف جوي مكثف على مناطق الوسط والجنوب، إلى فرض سيطرة ميدانية واحتلال مكتمل الأركان لقطاع غزة، ويسوّق لذلك بذرائع واهية، منها الإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية.

خطة الاحتلال، الساعية إلى بسط سيطرة عسكرية على قطاع غزة واستباق استئناف أية مفاوضات بشأن تبادل الأسرى، تعتمد على التصعيد والضغط، بما في ذلك التصعيد الخطابي والترويج لفكرة أن استئناف الحرب مسؤولية المقاومة الفلسطينية التي لم تستغل «النافذة الزمنية المحدودة» — أي المهلة التي منحها لها الاحتلال لإطلاق سراح الأسرى قبل استئناف العملية البرية.

هذه الخطوات التي يقدم عليها الاحتلال في ظل صمت دولي وعربي يقترب من التواطؤ، تضع قطاع غزة على شفير انهيار إنساني شامل، من أبرز ملامحه أن قطاع الصحة بات قريبًا من الانهيار التام خلال أيام جراء نفاد الوقود الضروري لتوفير الطاقة، والعجز في الأدوية والمستلزمات الطبية، إضافة إلى شح المواد الغذائية واقتراب مخزونها من النفاد، وغيرها من المعطيات التي قدّمتها تقارير المنظمات الدولية التي أجمعت على أن الوضع في غزة «كارثة غير مسبوقة في القرن الحادي والعشرين».

ذلك والمجتمع الدولي يكتفي ببيانات الإدانة، دون خطوة فعلية لوضع حد للحرب، سواء من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو غيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، التي تعبّر عن إدانتها ورفضها للحصار والتهجير القسري دون اتخاذ خطوات عملية لردع آلة حرب الاحتلال، التي باتت تراهن على تواطؤ الأنظمة العربية والغربية لاستكمال مخططها.

في ظل هذا المشهد المعقد، تتقاطع ثلاثة مسارات: التصعيد العسكري المتسارع، والمساعي الدبلوماسية الهشة لإنهاء الحرب، وكارثة إنسانية باتت توشك على الخروج عن السيطرة. يراهن الاحتلال من خلالها على تمرير خياراته الأحادية، وفرض واقع سياسي جديد على المنطقة، أبرز عناوينه تصفية القضية الفلسطينية، وبسط نفوذ الاحتلال كقوة إقليمية تلعب دور قاطرة للمنطقة، التي بات مستقبلها مرتهنًا بتطورات الأيام القليلة القادمة، وقدرة المقاومة في غزة على أن تواجه وحدها الأطماع الاستعمارية، وتسقط مشروع الاحتلال، وتعيد تشكيل مراكز النفوذ والقوة في منطقة ستنهار اذا نجح الاحتلال في تحقيق مطامعه.

اليوم، ما يجري في غزة ليس مجرد عملية عسكرية لاستعادة الأسرى أو لتحقيق شروط تفاوض جديدة، بل هو محاولة لصياغة واقع القطاع ووضع ما بعد الحرب على مقاس الاحتلال— الذي استفاد من غياب ضغط دولي وعربي— نجاح ذلك أو فشله سيعيد تشكيل المنطقة والتوازنات الدولية برمتها.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115