الذي يصطدم بعائق كبير في ظل الواقع المالي الصعب، الذي قد لا تكفي النوايا الطيبة لتجاوزه.
اليوم، ورغم أن الخطاب الرسمي يجعل من الدور الاجتماعي أولوية قصوى يقع السعي إلى تحقيقها عبر تصور يقوم على القطع مع التصورات الاقتصادية القديمة واعتماد «جباية عادلة» لتحقيق العدالة والإنصاف، إلا أن المؤشرات تبين أن هذا المسار محدود الأثر والنتائج، نظرًا الى الإخلالات الكبرى التي طالت المالية العمومية كذلك أزمة عجز الميزانية الهيكلي الذي يحد من قدرة أية سلطة على تحقيق وعدها بتنزيل الدور الاجتماعي للدولة، ناهيك عن تعزيزه.
وتشير الأرقام والمؤشرات الراهنة، الى بلوغ نسبة العجز المالي نسبة 6.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، ومن المنتظر أن تزداد هذا العام، بما يكشف عن عمق الأزمة المالية في تونس ويبين حجم العبء المسلط على الحكومة، ويجعلان من قدرتها على تحقيق الحد الأدنى الاجتماعي بمثابة المعجزة.
لقد وجدت الحكومة التونسية نفسها في حلقة مفرغة تدور حول نفسها، بعجز هيكلي يدفع الحكومة الى الاقتراض لسده، مما رفع الدين العمومي إلى مستوى تجاوز 80 % من الناتج المحلي الإجمالي يتجلى ثقله في أن خدمات هذا الدين استأثرت بحوالي 10 % من النفقات العمومية خلال السنوات الثلاث الماضية.
هذه الأرقام تجسد عمق الأزمة ومحدودية هوامش الحركة والمناورة أمام السلطة التي عبرت عن التزامها بدور الدولة الاجتماعي، سواء أتعلق الأمر بالجانب الخدماتي أو بالدعم المالي أو الاقتصادي عبر الانتداب والتوظيف، وظلت وعودها تصطدم بحيز مالي مقيد لا يسمح لها بحرية الإنفاق لتحقيق هذه الوعود.
وضعية يبدو أن السلطة أدركتها وتبحث لها عن مخرج، ذلك ما كشفته توصيات الرئيس الى رئيسة الحكومة والى وزيرة المالية بالعمل على تحقيق «الجباية العادلة» التي يبدو أنها قد تكون إحدى أدوات تعبئة موارد مالية إضافية للحكومة.
مقاربة الإصلاح الجبائي وإعادة توزيع العبء الضريبي قد تكون خيار السلطة الوحيد لتعبئة موارد مالية إضافية لتنزيل وعودها، بما يعني أنها تتجه إلى إعادة هيكلة جدول الضريبة على الدخل أو على الشركات والأنشطة الاقتصادية، أي أن تستمر في مقاربتها التي اعتمدتها في قانون مالية 2025 عبر الرفع من الضرائب على الشركات وإعادة توزيع المساهمات الجبائية على الأفراد لجعلها تتناسب مع دخلهم السنوي.
إعادة الاعتماد على نفس المقاربة يطرح السؤال التالي: هل بامكان الأفراد أو الشركات تحمل عبء جبائي إضافي؟ وكيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد التونسي في علاقة بالاستثمار وبالاستهلاك؟ مما يهدد بدفع الناشطين في القطاع المنظم إلى القطاع الموازي، بالإضافة إلى التهرب الضريبي.
خطر سيؤثر على قدرة الدولة على تعبئة موارد مالية توظف لتحسين الخدمات العمومية، مما يعني أن الخيار الأنسب والأسلم ليس الاصلاح الذي يتبع نفس النهج القديم، بل بمقاربة جديدة تساعد على توسيع قاعدة الضرائب ودمج الاقتصاد الموازي.
ويتطلب ذلك إرادة سياسية وإجراءات غير شعبية قد تثير احتقانًا اجتماعيًا، يبدو أن مواجهته أمر حتمي أمام السلطة التي ستكون بين خيارات محدودة، إما الإصلاح الجبائي بتوسيع القاعدة أو الرفع من نسب الاقتطاع أو بالتقليص من نفقاتها الاجتماعية كتقليص نفقات الدعم، خاصة في قطاع الطاقة الذي يستنزف جزءًا كبيرًا من الميزانية، أو تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية وفي القطاع العام، خطوتان بينت التجارب أن الإقدام عليهما يُعرض الحكومة الى مواجهة احتجاجات شعبية واسعة.
معضلة السلطة اليوم، حاجتها إلى تعبئة موارد مالية مع ترشيد النفقات العمومية دون أن يؤثر ذلك على الاستقرار الاجتماعي.
في ظل هذه التحديات الكبرى، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل يمكن تحقيق التوازن بين الوعود الطموحة والواقع المالي المعقد؟ لا يمكن تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي ينبغي على الحكومة أن تقوم بها، في ظل غياب التمويل الكافي.