تقرير آفاق الاقتصاد العالمي: تونس والفرضيات الصعبة

رسم صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له صدر منذ أيام صورة قاتمة للمشهد الاقتصادي العالمي

تهيمن عليه الضبابية وتعميق التوترات الجيوسياسية والتجارية في مناخ دولي يشهد تباطؤا واسعا في النمو.

صورة قاتمة لم تكن تونس مستثناة منها لا في إطار المؤشرات الأشمل فقط بل في علاقة بالتحديات التي يواجهها الاقتصاد التونسي الذي يتوقع له أن يستمر في حالة الركود وبطء النمو والمتسم بالهشاشة وغياب الإنتاجية والقيمة المضافة

تقرير صندوق النقد الصادر ضمن تحديث آفاق الاقتصاد العالمي أفريل ألفين وخمسة وعشرين قدم توقعات مفادها: أن نمو الناتج الداخلي الخام لن يتجاوز 1،6 ٪ خلال هذه السنة بما يخالف توقعات الحكومة التونسية التي أعلن عنها رئيسها في قانون المالية بأكثر من ثلاث نقاط. و تمتد توقعات الصندوق لتشمل السنة القادمة المنتظر أن يشهد فيها الاقتصاد التونسي انتعاشة خفيفة بتسجيل نمو يقترب من 2،2 ٪ سنة ألفين وست وعشرين.

هذه التوقعات التي يقدمها الصندوق تبين أن البلاد لا تعاني من انعكاس ظرفي للتطورات الدولية فقط بل ترزح تحت نير أزمة هيكلية مستفحلة تتجسد في الاختلالات التي تتفاقم جراء نموذج اقتصادي غير منتج للقيمة المضافة القائم منذ عقود.

غياب القيمة وهشاشة الاقتصاد التونسي أثرا بشكل مباشر على نسب النمو المسجلة في البلاد وعلى طبيعة هذا النمو الذي يعتبر هشا لا يمكن من مراكمة الثروة لمغادرة مربع أزمة التوازنات المالية ولا الحد من المستويات الخطيرة للمديونية التي بلغت 85 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي مما يضيق الحيز المالي المتاح للحكومة ومؤسساتها المالية ويحول بينها وبين تمويل أية سياسة تنموية جادة يمكن أن تساعد على التعافي.

تعاف يشمل معالجة العجز المزمن في الميزانية الذي يمول عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، مما أدى الى تفاقم هشاشة التوازنات المالية وأربك كل محاولة لإعادة الهيكلة. والأشد منافسة المؤسسات الاقتصادية الخاصة وتقليص فرص ولوجها إلى التمويلات والاقتراض

هذه المنافسة التي أدت تباعا إلى تراجع الاستثمار الخاص وضعفه ليلتحق بالاستثمار العمومي الذي تراجعت نسبته سنة بعد أخرى في ظل مناخ سياسي يفتقد إلى الاستقرار والتخطيط الاستراتيجي مع غياب رؤية اقتصادية واضحة.

ولأن الصعاب لا تأتي فرادى يزداد المشهد قتامة في ظل تعقيدات خارجية تلقي بثقلها على الاقتصاد التونسي الذي يشير التقرير ذاته إلى أنه يتأثر بموجة التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية وبقية العالم والتي تربك حركة التجارة وتهدد استقرار سلاسل التوريد وهذا سيطال للأسف الصادرات التونسية وعلى رأسها الصناعات الميكانيكية والنسيج والفلاحة والتي قد تواجه تقلص الطلب الخارجي خاصة من أوروبا التي تعتبر الشريك الاقتصادي الأول للبلاد.

كل هذا والبلاد تواجه وفق صندوق النقد الدولي ضيق الحيز المالي الذي سيؤثر على إنفاقها العمومي إذ باتت التوازنات المالية هشة جدا ومحدودة لا تمكن الدولة من الانفاق الواسع دون تهديد الاستقرار المالي الكلي.

صورة قاتمة لا تعني أننا أمام حتمية لا يمكن تجنبها أو انعدام الإمكانيات لدى الدولة للحيلولة دون وقوع المحظور بسبب تآكل قدرتها على الإنفاق وتوفير خدمات عمومية واجتماعية. وتظل سبل الإنقاذ ممكنة شرط ارساء ديناميكية اقتصادية مغايرة كليا لما هي عليه الآن.

ديناميكية لا يمكن تحقيقها إلا بتوفر إرادة سياسية قادرة على تجاوز الحسابات الظرفية مع إجماع وطني حول الخيارات الكبرى بما يعيد الثقة بين الدولة ومجتمعها. المسألة لا تتعلق بنسب النمو أو التوازنات المالية فقط بل بمشروع اقتصادي شامل يعيد تعريف معنى الإنتاج والثروة والعدالة. ومهما يكن حجم التحديات لم يعد الانكفاء على واقع متآكل خيارا مقبولا.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115